الصندوق الأسود والسنعوسي والمستشارون المصريون وحق الرد (1)

  • 5/18/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

خطاب الإخاء الإنساني للسنعوسي كان خطابا رائعا عن الإخاء الإنساني بين الأديان، في الكنيسة الأرثوذكسية بحولي ذلك الذي ألقاه وزير الإعلام الأسبق محمد ناصر السنعوسي والإعلامي الكبير وأثار إعجابي، وكنت مدعواً معه من الأنبا بيجوم راعي الكنيسة على شرف زيارة البابا تاوضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية، وتبادلنا حديثا وديا بعد هذا الخطاب، زاد إعجابي به وتقديري له. خطاب الكراهية والعداء الإنساني لذلك صدمني خطابه في الصندوق الأسود، خطاب العداء الإنساني للمستشارين المصريين في الكويت، وتجنيه عليهم بأنهم سبب خراب الكويت، وإصراره على تعميم ما وجهه إليهم من قذف وسباب، رغم محاولات الإعلامي القدير عمار النقي صاحب برنامج الصندوق الأسود (الجميل) تنبيه ضيفه إلى عدم الإغراق في التعميم، فكان رد السنعوسي أن كل واحد منهم ألعن من الآخر. وهو ما قد يعرض الصندوق الأسود وصاحبه وضيفه لمساءلة قانونية وقضائية، إعمالاً لأحكام قانون الجزاء وقانون الإعلام والقانون رقم 19 لسنة 2012 بشأن حماية الوحدة الوطنية، الذي يجرم ويعاقب كل شخص ينشر ثقافة الكراهية أو ازدراء أي فئة في المجتمع. الكويت وطن الجميع ولعل ما يقلقني ويقض مضجعي غياب القامات الرفيعة الوطنية التي أسست للكويت، دولة عصرية يسودها القانون والإخاء وقبول الآخر، فغابت شهادة هذه القامات للتاريخ، لتترعرع في غيابها ثقافة الكراهية ورفض الآخر، في مجتمع الأسرة الواحدة، تنسج شباكها حوله، هي ثقافة العداء للوافدين والمصريين بوجه خاص، ولكن يبقى الحب للكويت، في قلوبنا جميعاً، فهي وطن جمع كل الثقافات وكل الأديان والعقائد، وكل اللغات وكل اللهجات. فقد كان يقف إلى جوار هذه القامات الوطنية الرفيعة مستشارون مصريون قدموا لهذا البلد كل ما لديهم من علم وخبرة ومعرفة، وأسهموا في هذا التقدم مع الخبرات الكويتية الصاعدة، منهم من رحل عن الحياة ومنهم من رحل خارج البلاد، ومنهم من لايزال يعمل. وقد يصعب الإحاطة في هذا المقال، بكل الخبرات المصرية التي قدمت عطاءها للكويت في كل المجالات، القانونية والاقتصادية والمصرفية والتعليم والصحة، وغيرها ولا تزال كذلك جيلا بعد جيل، إلا أنه يكفينا التذكير ببعض الأعمال الجليلة لبعض الخبراء والمستشارين القانونيين المبرزين، وإن كان لا يمكن الإحاطة بجلائل أعمالهم، إنما قد يكون بعضا من هذه الأعمال كافيا للرد على حملة الكراهية ضد المستشارين المصريين، ولنبدأ بدستور الكويت. دستور الكويت دستور الإخاء الإنساني فقد كان وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان، المواطن والمقيم، ويرجع الفضل في هذا الدستور الذي يعتبر مفخرة الدساتير إلى الرعيل الأول من قامات الكويت الذين رحلوا، الواحد تلو الآخر، إلى جنة الخلد بإذن الله بعد أن أثروا الحياة الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بهذا الدستور. والواقع أن الدستور الكويتي قد أخذ بمفهوم الإسلام في المساواة بين الجميع فيما نصت عليه المادة (29) من الدستور من أن "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين". وتتفرع عن هذا المفهوم حقوق دستورية لا تقتصر على المواطن الكويتي، بل يشاركه فيها كل مقيم على هذه الأرض الطيبة. الخبير الدستوري د. عثمان خليل ومن الوفاء أيضاً، أن نذكر للخبير الدستوري، د. عثمان خليل عثمان، رحمة الله عليه، الذي عاون الرعيل الأول في وضع أحكام هذا الدستور، فضله في هذه الصياغة المحكمة لنصوصه، ومشاركته أعضاء المجلس التأسيسي اجتماعاتهم ومناقشاتهم، وشرحه لكل نص من النصوص، ورده على كل تساؤل لأعضاء المجلس التأسيسي مستهدياً بالاتجاهات الدستورية الحديثة في العالم، بمراعاة واقع الكويت وظروفها، مبتدعا لنظام ديمقراطي وسط بين النظامين الرئاسي والنظام البرلماني، بالتوفيق بين معطيات كل منهما، وتجنب السلبيات. د. السنهوري وحد العرب جميعا بالأيقونه التي أعدها وصاغها وصدر بها القانون المدني المصري في عام 1948 فقد وحد العرب جميعا في هذا القانون الذي أصبح قانون الأقطار العربية كلها في مشارقها ومغاربها، نقلته كل هذه الأقطار عن مصر، كما فعلت الكويت بإقراره وإصداره في أول أكتوبر 1980. وهو قانون أساسي لتغلغله في حياة الناس، يتناول بالتنظيم الأغلبية الكبرى من أمورها، ليس المهم منها فحسب بل الكثير من بسيطها، حتى أنه يندر أن تجد أمرا من أمور حياتنا ومعاشنا لا ينظمه هذا القانون، يرجع إليه في تطبيق القوانين الأخرى جميعا، فهو دستورها لا يقل أهمية عن الدستور الذي يحدد نظام الحكم في كل بلد بل يزيد عليه أهمية، وإن كان أقل مرتبة من الدستور. وهو عصارة فكر وبحث السنهوري لمدة اثني عشر عاما من عام 1936 حتى إقراره وإصداره في عام 1948 قضاها في استقصاء أحكام الشريعة الإسلامية، وبوأها مكانها اللائق بها مصدرا للقاضي يقضي بها، إذا لم يوجد نص تشريعي، وقد أخذ السنهوري كثيرا من نظرياتها، كما عكفت على دراسة واستقصاء النظريات والأحكام التي أخذت بها التقنينات المدنية المقارنة والتي بلغت 22 تقنيناً. د. وحيد رأفت وقد كان واحداً من المستشارين المصريين الذين ساهموا في النهضة التشريعية والقانونية للكويت ورحلوا عنها، ولكن ظلت الكويت في قلبه، عندما ذهبت إليه في منزله بالمعادي بناء على تكليف النائب والوزير الأسبق مشاري العنجري، ألتمس رأيه في عدم قدرة مجلس الأمة على إقرار تشريع واحد لا توافق عليه الحكومة، إذ تكتفي بالامتناع عن التصويت على أي اقتراح بقانون يقدمه الأعضاء ليسقط، ولو أقره ثلثا الأعضاء، ولم يعارضه أحد. وهو ما اعتبره د. وحيد رأفت، تطبيقاً غير سليم لأحكام المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، جرى عليه العرف البرلماني مدة طويلة، لذلك طالب في نهاية مذكرته التي طلب مني إمهاله لإعدادها ووعدني بذلك في اليوم الثاني للقائنا، واقترح في هذه المذكرة تعديلا لأحكام هذه المادة، وهو التعديل الذي قدم به النائب مشاري العنجري اقتراحا بقانون إلى مجلس الأمة، وصدر به القانون رقم 3 لسنة 1982، الذي كان أول وأهم إنجازات "أبوفيصل" في مجلس الأمة، ليسجل باسمه أنه تفعيل للدور التشريعي للمجلس. ورفض الدكتور وحيد في حديقة منزله أي أتعاب عن هذه المذكرة وأصر على الرفض قائلاً لي، إني مدين للكويت بالشكر، لأنها تذكرتني بعد غيابي عنها عشرين عاما، وهذا هو أغلى مقابل حصلت وأحصل عليه، عن أي عمل أديته. وللحديث بقيه إن كان في العمر بقية.

مشاركة :