ناصر الخمير: السينما فضاء شعري ومن لا حكاية له لا وجود له

  • 5/19/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

السينما عند المخرج التونسي ناصر الخمير سؤال جمالي وإشكالي أيضا. ومن القضايا التي لامستها سينما الخمير بعمق رصين مسألة الدين، بما هي محبة وسمو روحي وتعلق بالآخر، لا مجال فيها للعنف أو رفض هذا الآخر. فمنذ فيلمه “بابا عزيز″ إلى “البحث عن محي الدين بن عربي”، صورت لنا سينما الناصر خمير إسلاما آخر ممكنا، هو إسلام ابن عربي وإسلام بابا عزيز. عن هذه المقاربة السينمائية والجمالية للدين، يرى ناصر الخمير أن للإسلام “أهمية كبرى، باعتباره مرجعا حضاريا. وفهمه وتطويره كمرجع سياسي دليل على فكر مترد. والمهتمون بالدين كسياسة إنما يبيعون شيئا، ومن باع شيئا فهو لا يمتلكه”. ويتأسف المخرج، في حوار خاص مع “العرب” لمثل هذه “المتاهات”، على حد توصيفه، والتي من شأنها أن “تضيع علينا طريق الحداثة”.من هنا، يضيف محدثنا “كان اهتمامي بالتصوف اهتماما فلسفيا وجماليا. لأن الجماليات في حضارتنا لها علاقة وطيدة بالتصوف. والشيخ الأكبر ابن عربي أعطى حلولا لتخطي الدين كعائق، لأنه فوق المذاهب والفرق”. وحين ننظر إلى الإسلام السياسي ومرجعياته نجدها لا تبني لـ”الإنسان الكامل”، ولكنها تستغل وتحاور الإنسان الناقص. ويبدو أن السينما العربية لم تهتم بهذه المواضيع، رغم أهميتها، لأنها لم تتجذر في محيطها، وانطلقت أغلب الأحيان من محيط ومرجعية غربيَّيْن. الحكاية والوجود عن تجربته مع التراث في فيلم “طوق الحمامة المفقود”، وكذا اشتغاله على عوالم ألف ليلة وليلة، أيضا، يؤكد المخرج التونسي أنه قد تعلم من ألف ليلة وليلة أن “من لا حكاية له لا وجود له”. ويرى المتحدث أن الحرب اليوم “ليست اقتصادية أو دينية أو فكرية فقط، ولكنها حرب سرد؛ أي من سيفرض حكايته على الآخر. مع العلم بأن كتاب ألف ليلة وليلة هو مرجع سردي إنساني، وهو أثر عالمي في مخيل الإنسانية، تأثر به الكتاب من اليابان إلى كل العالم، بينما نظر إليه أكثر العرب باحتقار وازدراء”. والمشكلة إنما تكمن في الإنسان العربي أو الإسلامي وفهمه لحقيقة مراجعه الحضارية والتعامل معها، يضيف الخمير. وهو يعتبرها “حالة من الانفصام تجعل العربي، من حيث لا يشعر، يحتقر ما هو أثمن عنده، وهو الذي أثرى الفكر الغربي الذي يريد أن يستقي منه حقيقته”. كما أن التربية العامة عندنا مبنية على أخطاء كثيرة تجعلنا لا نفهم مشاكلنا الحضارية ولا نستطيعالتعامل معها، على حد قوله. وهكذا، باتت التربية القائمة تدفع الشباب إلى “زقاق مسدوعن دور السينما في قيام تربية جمالية بديلة، وفي استلهام التراث أيضا، يرى صاحب “ثلاثية الصحراء” أن السينما من الأدوات الهامة التي يمكن أن تحيي التراث، على أساس أن التراث هو نبع يجب تحريره من رواسب كثيرة. “السينما، لا كفرجة وترفيه فقط، ولكن كحس وجماليات ومعرفة وفكر وخصوصية”، ينبهنا المخرج. وهذا ما يطرح علينا سؤالا مهما يجب أن يهتم به المسؤولون في كل بلد، وهو ما يتمثل عنده في “مكانة الصورة في خلق ووضع مستقبل جديد، لأن الصورة يجب أن تقتحم التعليم من الطفولة إلى الشباب”. والسينما قبل أن تكون أداة ترفيه ينبغي أن تكون “مُفَعِّلاً حضاريا”. بينما تطوير التعليم بالرقميات والكتابة لا يكفي. ليخلص الخمير إلى أن “أكثر مشاكلنا تكمن في عدم تطوير علاقتنا بثقافتنا”. وإذا كان المخرج يقدم لنا رؤية إشراقية في تجربته السينمائية، فهل يمكن القول إنها تجربة ذات رؤية “استشراقية” جديدة، وهي تصور لنا سحر الشرق والصحراء وعوالم الليالي؟ هنا، يستحضر الخمير مقولة لجمال الدين بن الشيخ، يرى فيها أن ألف ليلة وليلة ليست حكاية الشرق للغرب، ولكنها حكاية الشرق للشرق. “فالمشكلة هي أن تكوين جيل ما بعد الاستقلال على نمط ومراجع غربية في الكثير من الأحيان قد أقصى هذا الجيل من روافده الطبيعية”. والاستعمار الفرنسي، مثلا، “ضرب بحذق عدة مقومات للشخصية المغاربية. مثلا، لما يقولون: ‘هذا سوق’، فهم يعتبرون هذا التنظيم المحكم لأقل مساحة ممكنة مجرد ‘فوضى’. وعندما ينادون على أي غريب ويخاطبونه: ‘يا محمد’، فهنا تصير قداسة اسم محمد في عرف الغرب ذلك الشخص الذي لا اسم له ‘اللامسمى’. والصور عديدة تلك التي تبين عملية هدم الشخصية والنفسية العربيتَيْن. وبعد الاستقلال لم يتصد المفكرون لمثل هذا، بل تقبلوه وتقمصوه وصاروا به. ثم أدخلونا في متاهة النقل وليس الخلق. ثم، مع اليسار، ظنوا أن الحل لا يكون إلا سياسيا”. وأما الحل في نظر مخرجنا، فهو “عمل وفكر وإبداع أكبر من السياسة”.وعن تجربته في الشعر والتشكيل، وتقاطع ذلك مع السينما، خاصة في تصوير فضاء الصحراء، بما أوتي من شاعرية مجالية، يقول المخرج إن “الصحراء بالنسبة إلي هي الكون، هي الجمال الواسع، وهي العربية، اللغة، وهي المجرد والمطلق. وفي هذه الصحراء يمكن لي أن أتأمل في أسئلتي الإنسانية والجمالية، لأنها فضاء للتأمل، وفضاء لتشكل ثقافتنا وتراثنا”. والخلاصة عند الخمير هي أننا “تخلينا عن تراث صار ثقيلا علينا، وحاولنا ركوب عربة الغرب. ومع الوقت اكتشفنا أنه لا مكان لنا في عربة الآخر. وأنا أحبذ أن أمشي على ساقي خطوة خطوة بدل أن أركب عربة الآخر، لأنني لا أعرف إلى أي محطة سيسير بي. ثم إنني أعتقد بأن رؤيتنا للحياة مرتبطة بالشعر. الشعر لا ككلام فقط، الشعر بما هو استكشاف لِكُنْهِ الحياة في المعمار، في الرسم، وكذا في السينما”. تلك هي تجربة هذا المخرج الموسوعي، كما يقدمها لنا في كتاباته الكثيرة، ومنها كتاب “شهرزاد” و”الغيم العاشق”، و”ساحرة العباقرة” و”أبجدية الرمال”، و”حكاية القصابين”… وكما في أعماله السينمائية، منذ فيلمه الأول “حكاية بلاد ملك ربي” سنة 1975، ومعه فيلم “الهائمون في الصحراء”، ثم “طوق الحمامة المفقود” سنة 1989، والفيلم القصير “البحث عن ألف ليلة وليلة”، و”بابا عزيز” سنة 2005، و”البحث عن الشيخ محي الدين” سنة 2013، وصولا إلى فيلمه الأخير “همس الرمال”. وهي الأفلام التي توجت بالعديد من الجوائز في مهرجانات عربية وأوروبية كبرى، منها مهرجان نانت ومهرجان سان مارتان بفرنسا ومهرجان فالنسيا في إسبانيا، ومهرجان لوكارنو في سويسرا، ومهرجان فجر في إيران، ومهرجان برشلونة السينمائي.

مشاركة :