سعد الله ونوس.. شاعر المسرح

  • 5/19/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة- الخليج: في 27 مارس/ آذار 1996 يوم المسرح العالمي، كانت مسارح العالم كله تردد، كلمة المسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس (27 مارس/آذار 1941- 15 مايو/أيار 1997)؛ بعدما اختارته منظمة اليونيسكو، لإلقاء كلمة بهذه المناسبة، قال في جانب منها: «لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي، عنوان وثيق الصلة بالحاجات التي يلبيها المسرح، ولو على المستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا العنوان «الجوع إلى الحوار» حوار متعدد، مركب، وشامل، حوار بين الأفراد، وحوار بين الجماعات، ومن البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء». كان هذا هو التكريم الأخير الذي ناله «ونوس» عن استحقاق وجدارة، وكشف فيه عن أهمية «المتفرج» أو «الجمهور» كقيمة ظل يعمل من أجل الوصول إليها طوال رحلته المسرحية، فبعد هذا التاريخ بعام تقريباً أسلم ونوس الروح، بعد معاناة مع وحش شرس، ظل يقاومه على مدى سنوات، فعندما وقعت حرب الخليج (1990) اعتبرها ضربة موجعة موجهة له، قال: «أشك في أنها كانت السبب المباشر لإصابتي بمرض السرطان، وليس مصادفة أن يبدأ الشعور بالإصابة بالورم أثناء الحرب والقصف الوحشي الأمريكي على العراق». هكذا أصيب «ونوس» بالسرطان، وقد حدد له الأطباء الفرنسيون موعداً مع الموت بعد ستة أشهر، سيفارق الحياة بعدها، لكنهم لم يدركوا أنه قرر مواجهة المرض بالكتابة، وكان يردد باستمرار: «إننا محكومون بالأمل» و«في الكتابة نقاوم الموت وندافع عن الحياة»، وكانت فترة الصراع مع هذا الوحش هي الأخصب، هو نفسه يقول عن سنوات الوقوف في وجه المرض: «خلال السنوات الأربع، كتبت وبصورة محمومة أعمالاً مسرحية عديدة، ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم: ولِمَ هذا الإصرار على كتابة المسرحيات، في الوقت الذي ينحسر فيه المسرح، ويكاد يختفي من حياتنا؟! باغتني السؤال، وباغتني أكثر شعوري الحاد بأن السؤال استفزني؛ بل وأغضبني، طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح..». الكتابة كما قال محمد دكروب، جددت في «ونوس» خلايا جسده وروحه، أماتت نذير الأشهر الستة، أبطأت دبيب السرطان، الكتابة منحته قدرات، كان يجهل أنها ستتفجر، أعطته بعد الأشهر الستة، خمس سنوات إضافية، وأعطتنا ست مسرحيات جديدة، بينها أجمل وأهم مسرحياته: «منمنمات تاريخية، طقوس الإشارات والتحولات، ملحمة السراب، الأيام المخمورة» إضافة إلى نص مدهش فريد من نوعه وتركيبه الفني ومناخاته وجماله هو «رحلة في مجاهل موت عابر». بدأ العالم العربي يعرف «سعد الله ونوس» حين نشر أدونيس في مجلة «مواقف» مسرحية «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» وكما يصفه د. حليم بركات فإنه: «شاعر تأمل في شؤون الإنسان والتاريخ، ومسرحي أجاد الحوار، وترتيب المشاهد والإضاءة، وروائي يسرد علينا من زوايا متعددة أخبار الروح والجسد» وفي البيانات لمسرح عربي جديد التي أصدرها ونوس عام 1988 إجابات وافية عن أسئلة كثيرة، بدأها من (الجمهور) فالمسرح يبدأ فعلاً عندما يتوافر ممثل ومتفرجون، يتابعون لعبة الممثل أو يشاركونه فيها، وغياب أحد هذين العنصرين ينفي الظاهرة المسرحية، في حين أن غياب العناصر الأخرى لا يؤدي إلى نفي الظاهرة المسرحية، بمعناها الأساسي، وما دام المسرح يعد حدثاً اجتماعياً لا معنى له إن لم يتم أمام المتفرجين أو بينهم، فمن هم المتفرجون؟. يرى «ونوس» أن تحديد هوية الجمهور، بتركيبته الاجتماعية وظروفه الثقافية ومشاكله وصور معاناته، هو الذي «سيحدد الأرض التي نعمل عليها، والحدود التي نتحرك فيها، إنه الجمهور الذي لم يعد جمهرة من الأشباح تخفي عتمة الصالة وجوهرها، وأشكالها، وانعكاسات همومها الداخلية على قسماتها» ويرى أن العلاقة المسرحية تقتضي الاتصال بالجمهور، وأسلوب هذا الاتصال، وتقتضي الوسائل التي ينبغي أن تستخدم، حتى يتحقق التفاعل الأكيد مع المتفرجين. ورغم أن المسرح يظل أكثر الفنون المهددة بالتوقف والتراجع حين يفقد الحرية، فإن «ونوس» كان يعمل على «تسييس المسرح» نافياً وجود تناقض بين اهتمام المسرح بالقضايا السياسية وفنيته، وهو يقول: «أردت بمصطلح التسييس أن أمضي خطوة أعمق، فأقول إنه المسرح الذي يحمل مضموناً سياسياً تقدمياً، والطبقات التي يتوجه إليها هي الطبقات الشعبية» وكما يرى د. عبد الرحمن ياغي فإن «ونوس» جند نفسه لمواجهة «التفاهة السائدة وخراب الذوق السائد» على حد تعبيره، حيث كان يقول ««لم أكن أريد أن أقدم وعياً جاهزاً» مركزية اللغة كان ونوس مشغولاً باللغة، وفي هذا يقول: «منذ منتصف الستينات، بدأت بيني وبين اللغة علاقة إشكالية، ما كان بوسعي أن أتبينها بوضوح في تلك الفترة، كنت أستشعرها حدساً أو عبر ومضات خاطفة، لكن حين تقوض بناؤنا الرملي، صباح الخامس من حزيران 1967، أخذت تلك العلاقة الإشكالية تنجلي بوضوح، وتبرز تحت ضوء شرس كثيف، ويمكن الآن أن أحدد هذه العلاقة بأنها الطموح العسير، لأن أكثف في الكلمة، أي في الكتابة، شهادة على انهيارات الواقع، وفعلاً نضالياً مباشراً يغير من هذا الواقع». هموم دائمة كيف أصوغ الكلمة- الفعل وكيف أنجز بالكتابة طموحاً مزدوجاً أو ربما متعارضاً؟ ظل هكذا سؤال هو الشغل الشاغل لونوس ابن قرية حصين البحر السورية، منذ أن أخذ يتعلم، وينتقل من قريته إلى دمشق، ومن دمشق إلى القاهرة، ثم باريس، ليعود إلى دمشق، وهو يمتلك حلماً كبيراً بتحقيق مسرح جماهيري، إنه مسرح الكلمة- الفعل، فمنذ أن حصل على الشهادة الجامعية الأولى في الصحافة من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1963 بدأ يتعرض للهزات القومية، وكان انفصال الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961 أول تلك الصدمات، وكتب آنذاك «الحياة أبداً» التي نشرت بعد وفاته.

مشاركة :