لم يكن اعتباطاً أن يعود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في مقدمة خطابه التاريخي الذي افتتح به عهده الميمون إلى مرحلة التأسيس وكونها مرتبطة بالتمسك بالعقيدة الإسلامية وثوابتها.. ثم فصَّل ما تلاها من مراحل بناء دولة المؤسسات الحديثة, وأهم ما حققت من منجزات, وواجهت من تحديات.. فقد ركّز الخطاب التاريخي من مقدمته إلى منتهاه على أن المملكة لا تعيش في فراغ تاريخي، بل في تواصل حضاري بين الأصالة من حيث قيم العقيدة وتعاليم الثوابت, والتزامين مصيرين مستمرين عبر الزمن، هما حماية كيان الدولة وسيادتها, والتطور الحضاري, باعتماد إستراتيجية التحديث الثقافي والتقني. وكما وضّح أن المملكة لا تعيش في فراغ تاريخي, وضّح أيضاً أنها لا تعيش في فراغ جغرافي حضاري, بل عليها أن تمارس عضوية فاعلة تخدم مصالحها وأهدافها عبر تبادل المصالح الاقتصادية مع الغير واعتماد مبدأ الحفاظ على استقرار العالم, واحترام اتفاقياتها الدولية ومواثيقها, والالتزام بها, مع عدم التفريط في قيمها الذاتية, ومن ضمنها حماية هويتها الخاصة ومحاربة التطرف والتخريب والإرهاب. واضح أن من وضع تصور خارطة الطريق القادمة للسعودية انطلق من شمولية المسؤولية التي تقع على عاتق المخطط بحيث يرتبط الزمان ومعطياته, بالمكان واحتياجاته، مع ضرورة ارتباط التخطيط وتحديد الأولويات بالمرونة المطلوبة للبقاء والفاعلية الحضارية.. بدأها بوضع السعودية في موقع المركز لأُطر متعددة تبدأ بالداخل وتتوسّع جغرافياً إلى إطار الجـوار القريب, فالعربي, والإقليمي، ثم العالمي من حيث العلاقات المتبادلة، اقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً.. مع التأكيد على أن العلاقات كلها بحسب الرؤية التي وضّحها خطاب الملك تسعى لخدمة وإرضاء المواطن, وتعتمد أساساً على التمسك بالمحافظة على الاستقرار، والاستمرارية، والتوازن، والبعد عن التطرف، واستضعاف أحد الأطراف للطرف الآخر، بحيث تظل المصلحة المتبادلة هي الصيغة الغالبة. ثم بعد هذا كله خطاب الملك سلمان بيَّن بوضوح الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، وهي أمن واستقرار الوطن داخلياً, والالتزام باحترام مبدأ السيادية, وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واعتماد قانون الدولة في ما يتعلق بحقوق الإنسان والأحكام القضائية، إضافة إلى وجود اتفاقيات وعهود ترتبط بحقوق الإنسان وبتعاليم ديننا الحنيف لا يمكن تجاوزها في كل التعاملات والعلاقات. خطاب واضح أعاد تذكير كل الأطراف المعنية بحقوقها ومسؤولياتها. وفقَ الله الملك في القيام بمسؤوليات قيادة الدولة وإسعاد المواطن.. ووفقَ جميع المواطنين والمسؤولين للقيام بدورهم في البناء والاستقرار بما يُرضي الله ويحمي الجميع في المكان من تقلبات الزمان.
مشاركة :