استضفت قبل سنوات د. سعدون القشطيني. وجد المنضدة مثقلة بالخرائط والتقارير. سألني عنها. قلت هذه مقترحات البلدية لتعريض شارعنا هذا بنحو قدم. إنهم يسألوننا في ضوء تقاريرهم. قال مستغربا: كل هالهيصة من أجل عرض شارع؟ مرت ثلاثة أعوام وعاد لزيارتنا. وبمحض الصدفة وجد نفس المنضدة محملة أيضا بالأوراق. سألني فقلت: تتذكر موضوع تعريض الشارع؟ الآن قرروا الخريطة المناسبة. وها هم يعلموننا بها. لم يتمالك غير أن يضحك. قال كل هالزمن والتفكير من أجل قدم؟ كل ما يجري في الدول المتقدمة يستغرق سنوات من التفكير والتردد والمناقشات والمنازعات قبل أن يقدموا عليه. بعد سنوات وسنوات من هذه الإجراءات وافقوا أخيرا على تعيين المرأة كاهنا لكنيسة، وسنوات وسنوات ليسمحوا لها بدخول النوادي الرجالية والعمل في البورصة. دخلت المرأة الإنجليزية معركة طويلة لما يزيد على نصف قرن وقتلت إحدى الناشطات قبل أن يوافقوا على إعطائها حق التصويت. وفي القرن التاسع عشر خاض العمال معارك ضارية استمرت طوال القرن من أجل حقهم في التصويت. وعندما ساروا بمظاهرة تحمل عريضة للبرلمان تطالب بهذا الحق بعثوا إليهم الجنرال ويلنغتون على رأس فوج من الخيالة والمدفعية ضربتهم بالقنابل والسيوف بتلك الواقعة التاريخية المشهورة والمعروفة بمذبحة بيتربره. وكل هذا في بريطانيا «أم الديمقراطيات». لست خبيرا بتاريخ السويد. ولكنني واثق أن ما جرى ويجري في بريطانيا له ما يشابهه في السويد وكل الدول الغربية. كل هذه الحريات والحقوق التي يتمتع بها الغربيون الآن لم يحصلوا عليها إلا بعد قرون من التطور العضوي والتجارب والمحن والنجاح والفشل، ناهيك عن الحروب والتضحيات. سأعجب إذا وجدت أن السيدة مارغوت فالستروم، وزيرة الخارجية السويدية، لم تطلع على ذلك التاريخ أو لم تفهم ما ينطوي عليه من دروس ومواعظ، والمثل عندهم يقول: روما لم تُبن في يوم واحد. مطالبة دولة مثل المملكة العربية السعودية أن تلغي أنظمة وأعرافا تقوم على الشريعة الإسلامية وتقاليد عشرات بل مئات السنين وشطبها بشخطة قلم، بين ليلة وضحاها، شيء لا يمكن وصفه إلا بالسذاجة والجهالة. ما يمكن أن أقوله للسيدة فالستروم، حاولي يا سيدتي أن تحصلي من بلدية استوكهولم على موقع لموقف دائم لسيارتك في وسط المدينة لتكتشفي كم سيستغرق طلبك من الوقت والتحقيق والسؤال والجواب لتحصلي على أي نتيجة. وأكثر من ذلك، حاولي وأنت وزيرة خارجية، أن تغيري أنظمة السويد للجوء والإقامة والتجنس. التغيير والتطور الحكيم للدول لا يتم جزافا واعتباطا وبشخطة قلم، وإنما بالنمو التدريجي المدروس وبالتعليم والنهوض بجموع الشعب، بمن فيهم المرأة. هناك الآن ألوف النساء السعوديات العاملات في شتى الميادين، بما في ذلك عضوية مجلس الشورى، ومن ورائهن ألوف المواطنات اللواتي يدرسن دراسات عالية في شتى بلدان العالم. بهن وعليهن ستتطور المملكة تطورا عضويا مرحليا هادئا بعيدا عن الفوضى.
مشاركة :