توج ثوار ليبيا سلسلة ممارساتهم الخاطئة التي ارتكبوها أثناء وبعد ثورتهم التي أطاحت بأحد أعتى حكام العرب العسكريين، بالإقدام على خطف رئيس وزراء بلادهم تحت ذريعة واهية، هي إعلان الحكومة الأمريكية أن السلطات الليبية كانت على علم باختطاف أحد قادة تنظيم القاعدة في طرابلس. ورغم أن هؤلاء الثوار كانوا قد أبدوا عزيمة وإصرارا كبيرين في مواجهة نظام الطاغية، إلا أن عديدا من الممارسات الخاطئة قد تثير كثيرا من الشكوك حول مسار العملية الديمواقراطية التي يطمح في الوصول إليها الليبيون، الذين قضوا أربعة عقود تحت نظام معمر القذافي، وضَحَّوا بعشرات الآلاف في سبيل تحقيق العدالة والحرية التي نشدوها خلال ثورتهم، فاغتيال القائد العسكري للثورة عبدالفتاح يونس أثار تساؤلات كبيرة مع اقتراب تحقيق نصرهم، وإصرار بعضهم على محاكمة رجال العهد البائد تحت إشرافهم، واحتفاط بعض الثوار بأسلحتهم ورفضهم الاندماج في الجيش الوطني أو الأجهزة الأمنية والشرطة، ولجوء آخرين للتهديد بالسلاح كلما تعارضت قرارات الحكومة مع مصالحهم، فيما يلجأ البعض بتنفيذ رغبات الجماعات التي ينتمون إليها دون الأخذ في الاعتبار مصالح الوطن أو الدولة؛ كل ذلك وغيره كفيل بتهديد ثورتهم وأهدافها التي تطلع إليها الشعب الليبي، ومازال عديد من هؤلاء الثوار ومنذ سقوط العقيد وإلى الآن يعرقلون بناء مؤسسات الدولة، وإقلاع عجلة الاقتصاد التي تعتمد على قطاع النفط الذي مازال يئن تحت تهديد هذه الجماعات، في حين أن جماعات أخرى لم تخف رغباتها في الحكم ولو على حساب وحدة ليبيا أو تحويلها إلى دولة فيدرالية. هؤلاء الثوار الذين استطاعوا فرض احترام العالم لثورتهم منذ انطلاقتها وكسبوا تعاطف الدول الكبرى ووقف العرب إلى جانبهم، يلجأون اليوم إلى ممارسات جد خطيرة ستضعف الثقة بهم وبحكومتهم وتثير الشكوك حول إمكانية أن يرسخ هذا الشعب القيم المدنية والديموقراطية، ويتفاعل معها، خاصة الاستماع إلى الرأي الآخر أو قبوله رغم الاختلاف، وكذلك تطرح مزيدا من الأسئلة حول قدرة هذا الشعب على الاستفادة من ربيعه الذي أسقط الحكم العسكري الدكتاتوري، وقدرته على بناء دولة المؤسسات التي ترسخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان، فهل يتجاوز ثوار ليبيا خلافاتهم ويغلّبون مصالح الوطن على مصالحهم الفئوية والحزبية والشخصية لأجل وطن يتسع للجميع؛ أم سيغرقون بلدهم مرة أخرى في أتون ظلام جديد؟.
مشاركة :