واشنطن وطهران.. سقف التصعيد وفرص الحوار

  • 5/21/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد منطقة الخليج توترات عديدة، لم تشهدها منذ غزو العراق عام 2003. بعدما تعرضت 4 سفن تجارية في المياه الإماراتية الاقتصادية، يوم 12 مايو لعمليات تخريبية، واستهداف محطتي نقل للنفط في السعودية، يوم14 مايو بهجوم من قِبل طائرات من دون طيار حوثية مدعومة من إيران، وتعزز ذلك بإرسال الولايات المتحدة تعزيزات عسكرية إلى منطقة الخليج. وهى التطورات التي جعلت العالم يتوقع احتمالية نشوب حرب مباشرة بين واشنطن وطهران، خصوصا في ظل وجود أدلة على تورط إيران في هذه الحوادث، وفي ظل قيادة أمريكية غير قابلة للتوقع، وبالتزامن مع أزمات عديدة في الخليج تمثل إيران عاملا مشتركا فيها. وفي الواقع، فإن هاجس الحرب ضد إيران يحوم في دوائر صنع القرار الأمريكية خلال الأربعة عقود الماضية، وفي حين توافرت الرغبة، فإن الفرصة لم تكن مواتية، ويرجع السبب في ذلك إلى أنها كانت ومازالت تشكل خطرا على مصالحها، وتمثل تهديدا لحلفائها، وتلعب دورا يهدف إلى إفشال أي خطوات من شأنها تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة. وعليه، يرى مراقبون «أن الخيار العسكري الذي ظل على الطاولة الأمريكية لعقود طويلة لم يعد مجرد تكهنات، بل أصبح قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع. ومنذ تولى الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» السلطة عام 2016. وهو يتبنى سياسة التصعيد ضد إيران بممارسة استراتيجية «الضغط الأقصى»؛ بهدف إحداث تغيير في السياسات والسلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، ومنها رعاية قوى تعمل بالوكالة لنشر أجندتها الخارجية. وجاء انسحاب أمريكا من «الاتفاق النووي» كخطوة من تطبيقات هذه الاستراتيجية، إلى جانب استخدام أداة الضغط الاقتصادي، بإعادة فرض العقوبات عليها وحظر تصدير النفط، فضلا عن الضغط السياسي الدولي عبر «مؤتمر وارسو» الذي هدف إلى حشد الدعم والتأييد السياسي الدولي للخطوات الأمريكية للضغط على طهران، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، والضغط العسكري عبر إرسال قطع عسكرية بحرية أمريكية للقيام بدوريات بالخليج العربي. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن واشنطن لا تريد شن حرب واسعة بمعناها الكلاسيكي بسبب تكاليفها الباهظة عليها وعلى المنطقة، وعدم ضمان نتائجها وامتداداتها وتداعياتها، كما أنها لن تكون المبادِرة بشن أي هجوم وستكون خياراتها أقرب إلى رد الفعل منها إلى الفعل، على اعتبار أنها حققت هدفها بالحصار الاقتصادي على طهران. وفي الوقت نفسه لن تقوم طهران بشن هجمات ضد قواعد أمريكية في المنطقة أو مصالح الولايات المتحدة وحلفائها بشكل استفزازي يُجبر الرئيس «ترامب» على تنفيذ تهديداته. وتوقعوا ثلاثة سيناريوهات للتصعيد الأمريكي-الإيراني، تتمثل فيما يلي: الأول: أن يتبادل الجانبان هجمات مباشرة وبالوكالة، يكون مسرحها اليمن وسوريا والعراق، وربما لبنان ودول أخرى برًا، ومياه الخليج العربي وخليج عُمان بحرًا، وفي هذه الحالة، يمكن أن تستمر المواجهات شهورا طويلة من دون حسم، على اعتبار أنها غير مكلفة للجانبين. الثاني: أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى الانزلاق نحو حرب شاملة غير محسوبة وغير مرغوبة من الجانبين، نتيجة خطأ في حسابات أحدهما أو سوء تقدير في الموقف، لأنه من شبه المستحيل ضبط الوضع والتحكم بالأمور في ظل التصعيد. الثالث: أن ينتهي التصعيد المتبادل بجلوس الطرفين إلى مائدة التفاوض والبحث عن صفقة مرضية للجانبين، لكن هذه المرة لن تكون محصورة بالملف النووي بل ستتعداه إلى كل السلوك الإيراني المقلق والمزعزع للاستقرار في المنطقة. وفي المقابل، هناك من يرى أن هذا التصعيد ليس استعدادا لحرب صريحة وشاملة على إيران، وإنما هو مجرد ضغوط قوية ورسائل صريحة للنظام الإيراني للانسحاب الفوري من مواقع الاضطرابات في المنطقة، وتحديدًا في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، والتخلي عن دعم المنظمات الإرهابية، وكذلك الكف عن تهديد الملاحة البحرية الدولية في مضيق هرمز. عزز من هذا الاحتمال، وجود صراع داخلي في إدارة ترامب بين مستشاره للأمن القومي ووزير خارجيته. ففيما يدفع «بولتون» باتجاه التصعيد العسكري، يبدو «مايك بومبيو»، متحمسا لمواصلة الضغط عليها وزيادة عزلتها دوليا، حيث يرى مخاطر غير محسوبة في شن حرب يمكن أن تمتد آثارها إلى الشرق الأوسط. ويمكن إضافة عامل آخر، وهو أن «ترامب» مقبل على عام انتخابي، يأمل أن ينتهي بإعادة انتخابه لولاية ثانية، وبالتأكيد هو لا يريد المجازفة بالدخول في حرب لن يكون بمقدور أي شخص أن يجزم ما الذي سيحدث فيها، ومن الممكن نظريًّا أن تقلل نتائجها من فرص فوزه. إلى جانب هذا، أُلقي باللوم على الإدارة الأمريكية في تصاعد نُذر الحرب، حتى إن دول الاتحاد الأوروبي ترى أن نهج ترامب في هذا الصدد «غير ضروري»، وعلت الأصوات المنادية بضبط النفس منعًا لنشوب الحرب في المنطقة. وأشارت «كوري شاك» في صحيفة «المونيتور» أن وزير خارجية أمريكا «بومبيو» كان يأمل أن يدعم الهجوم الذي تعرضت له بواخر وناقلات نفط إماراتية وسعودية في المياه الإماراتية الموقف الأمريكي؛ بوجوب كبح جماح إيران، لكن يعتقد حلفاء أمريكا من الدول الأوروبية أن أمريكا هي التي تسببت في حدوث هذه الأزمة جراء انسحابها من الاتفاق النووي». وبات المحللون يراهنون على إمكانية تدخل المجتمع الدولي بقواه الكبرى لكبح نهج ترامب تجاه إيران، ولعل أهم هذه القوى هي: أولاً: الدول الأوروبية، لما لها من علاقات وثيقة «بواشنطن»، وتأثيرها في صنع القرار الأمريكي، خاصة أن فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا من الدول الموقعة على «الاتفاق النووي». وعلى عكس المأمول أصيبت هذه الدول بخيبة أمل بعد فشلها في وضع ضغوط على الإدارة الأمريكية؛ نظرًا إلى تبنيها سياسات انعزالية، والتنصل من التزاماتها تجاه حلف الناتو، ما عمق الشقاق بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وهو الرأي الذي أيدته «سيليا بيلين» من مؤسسة «بروكنجز»، بقولها، «تجد بروكسل أنه من الصعب ممارسة أي تأثير على السياسة الخارجية الأمريكية ما لم يوجد شريك لديه نفس الإيمان بالرؤية الأوروبية في البيت الأبيض». وخير مثال هو عدم قدرتها على منع «ترامب» من الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وعليه، لم يبق لأوروبا إلا إطلاق التصريحات بضبط النفس، ومن ذلك تصريح وزيرة خارجية الاتحاد «فيديريكا موغيريني»، بأن «القرار الأكثر حكمة هو تجنب أي تصعيد على الجانب العسكري». وتأكيد وزير الخارجية البريطاني، «جيرمي هنت» قلق حكومته من خطر الصراع والتصعيد المتزايد من كلا الجانبين. ثانيا: دول آسيا، وعلى رأسها الهند واليابان وكوريا الجنوبية باعتبارها حلفاء للولايات المتحدة ولطالما مارسوا الضغط عليها لتغيير سياستها التصعيدية، لما لها من أثر سلبي عليها، خاصة أن هذه الدول تعتمد تاريخيا على النفط الإيراني لقربها الجغرافي منها، لذلك فهم يرون تصرفات الإدارة الأمريكية ضارة وغير مبررة، وطالبوا علنًا بأن تتبنى الولايات المتحدة نهجا مختلفا. ثالثًا: روسيا، وتنبع قدرة روسيا على التأثير باعتبارها قطبا دوليا، ولا تزال تعد خصمًا قويا «لواشنطن». وقد عملت الإدارة الأمريكية على احتواء المواقف الروسية المختلفة، مثل شن هجمات إلكترونية، وتقويض الأهداف الأمريكية في سوريا. وربما يوافق «ترامب» على تخفيف الضغط على إيران في محاولة لتعزيز علاقته مع «بوتين»، أو أن تتجه «روسيا» لحماية حليفها الاستراتيجى، ما يمنع الإدارة الأمريكية من الاستمرار في نهجها خوفًا من الدخول في حرب شاملة. عزز من ذلك إعلان وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف»، أن «الولايات المتحدة مخطئة في تصعيدها ضد إيران». وتمتلك روسيا شعورا بعدم الرضا عن نهج ترامب لسببين: أولهما: أنها من الدول التي وقعت على «الاتفاق النووى». ومن ثم منوط بها الحفاظ عليه، ويوضح «ماثيو روجانسكي» من «مركز وودرو ويلسون» أن روسيا «لا ترغب بشكل خاص في رؤية الاتفاق ينهار، لأسباب ليس أقلها أن لها مصلحة في الإنجاز الدبلوماسي التي كانت جزءًا منه». وثانيهما: تأثير الحرب بين أمريكا وإيران على الوجود الروسي في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي قامت موسكو في السنوات الأخيرة بتعزيز وتوسيع نفوذها بها. تشير «أندريا تايلور» من «مركز الأمن الأمريكي الجديد»، إلى أن «إيران أصبحت شريكًا مهما لموسكو، خاصة بالنظر إلى هدفهما المشترك في تقويض النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، ونجحت تفاعلاتهما المتكررة من خلال دعم موسكو لإيران في تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة والعمليات العسكرية في ساحة المعركة في سوريا». أخيرًا الصين، التي سيدفع أي صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط إلى الإضرار بمصالحها الاقتصادية، يضاف إلى ذلك أنه قبل فرض العقوبات الاقتصادية كانت إيران شريكًا اقتصاديًا طويل الأمد للصين، وهي العلاقة التي تأمل بكين في استعادتها في المستقبل القريب. ومن المؤكد أن بكين ترغب في تجنب الحرب. وعلى عكس روسيا، تشهد الصين فترة من العلاقات المتوترة مع إدارة ترامب. ففي حين ترى الإدارة الأمريكية موسكو حليفا محتملا، فإنها ترى أن الصين ربما تكون أكبر المنافسين لواشنطن، وقد تبنت الإدارة الأمريكية تطبيق مقاربة المواجهة بدلاً من التوفيق والاحتواء، وهو ما اتضح من خلال الحرب التجارية المستمرة بين كلا الطرفين. وفي ضوء أن بكين لها نفوذ دبلوماسي ضئيل في واشنطن، فمن غير المرجح أن تكون قادرة على تشجيع التغيير في نهج ترامب الذي يعتمده تجاه طهران. على العموم، فإنه في حين يمكن اعتبار التصعيد العسكري الأمريكي في الخليج، رسالة ردع حقيقية للجانب الإيراني لمنع القيام بعمل غير مسؤول في المياه الإقليمية، أو أمام سواحل بعض الدول الحليفة، ورغم رؤية البعض أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية من استعدادات يأتي في إطار الحرب النفسية، وأن الخيار العسكري مستبعد، إلا أن تطورات الأوضاع في منطقة الخليج واستمرار التهديدات الإيرانية قد يؤدي إلى تصور آخر، في ظل صعوبة تصور نجاح الوساطات، أو تعديل السلوك الأمريكي في القريب العاجل، خاصة أن الجهود الدولية المبذولة ليست كافية لضمان هذا الهدف.

مشاركة :