مغامرات عتريس ومسعدة

  • 5/21/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

- المكان: محافظة الجيزة- الزمان: أي وقت- المشهد: رجل ممدد على فراش وهو ناظر إلى السقف، وسيدة تجلس على طرفه ويبدو أنهما يتحدثان، يتشاحنان، يتشاجران.- درجة الحرارة: 48 مئوية.أصيب عتريس بأزمة قلبية استمرت 15 دقيقة تقريبا في الساعة السادسة والنصف من صباح الأحد الماضي. مسكين. أفلت منها برحمة الله الواسعة، فمازال في العمر بقية. أسعفته حبة من أسبرين الأطفال المستورد وقرر تحاشي التعرض للشمس، وعدم توريط نفسه في أي مجهود بدني. مر اليوم بسلام، ولكنه عجز عن النهوض من فراشه على الإطلاق يوم الإثنين. أحس أنه كالعائد من سباق لاختراق الضاحية أو كالواقع تحت أثر مخدر المورفين. في نفس التوقيت من صباح الثلاثاء، تكررت الأزمة وتضاعف زمنها وزادت كمية العرق المصاحبة. ذبحة. نظرت زوجته الحنونة مسعدة إليه وتمطت قائلة إن الحر خانق وعليه بتشغيل مروحة السقف، لا داع للتكييف. كانت نصف نائمة، مسكينة بدورها، فليل رمضان قصير كنهاره. استجاب لطلبها وتحمل دون أن يعبر عن شيء. ذهب إلى الطبيب المقيم في الخرابة، محل عمله، في نحو العاشرة صباحا وأبلغه بالمسألة. بدا عليه القلق، وقرر إجراء رسم للقلب وقياس للسكر فورا. أشار جهاز السكر إلى الرقم 98 بينما أظهر رسم القلب وجود نبضة إضافية شاذة. ضغط الطبيب بأصابعه على رسغ عتريس الأيمن لفترة أطول من المعتاد. وأكد بعدها أن النبضة قائمة، والأزمة مستمرة، والسبب مجهول. أوصاه بضرورة التوجه إلى استشاري للقلب دون إبطاء في مستشفى قريب ونظيف على غير المعتاد. أعاد الطبيب رسم القلب هناك برغم حيازة عتريس للرسم الطازج. أظهر التقرير وجود النبضة ذاتها فأوصاه بضرورة تركيب جهاز "هولتر" بأسرع وقت لرسم القلب على مدار 24 ساعة متصلة، مع إجراء تحليل سريع للدم لقياس مستوى الدهون، والصوديوم، والبوتاسيوم، وفول الصويا بالتحديد. موافقة. أما عن رسم القلب الأحدث فسجل عليه حرفين بخط يده "ح.ح" ولابد أنها اختصار لكلمتين شهيرتين: حمار حصاوي، أو حالة حرجة. ربما. لم يظهر القاموس القابع في رأس عتريس مزيدا من الاحتمالات.اعتذر مستشفى القلب المتخصص عن عدم تلبية طلب العميل. لا توجد أجهزة. اترك اسمك ورقم هاتفك، وسوف نبلغك بإمكانية توافره من عدمها في أقرب مناسبة. عاد إلى طبيب الخرابة وأبلغه، فلم يقلق كثيرا طالما أن صاحب الشكوى مازال مبتسما، منتصب القامة، أمامه ويتنفس كأي بغل مصري أصيل. توجه إلى معمل التحاليل وكان الحر خانقا فضرب ضغط دمه رقما قياسيا جديدا في عالم الآدميين. لا مشكلة. في الثانية والنصف من بعد الظهر تلقى اتصالا من مسعدة. طمأنها على سلامة سيادته، وأبلغها بمسألة عدم توافر ذلك الجهاز اللوزعي. اتصلت في الرابعة: "أين أنت/ في الطريق إلى المنزل". في الخامسة إلا الربع اتصلت مجددا: - أين أنت ؟. - في الطريق إلى المنزل.- ألست على فراش في مستشفى الآن ؟.- يا رب أعمى لأ. لم يقبلني أحد، فمازلت أسعى كالبشر.- هل تفضل البط المحمر اليوم، أم تكتفي باللحم ؟. (انقطع الاتصال لسوء الشبكة).كان عتريس قد عرف بالصدفة البحتة أنه مصاب بالضغط المرتفع إلى أعنان السماء قبل شهر ونصف الشهر تقريبا. كاد أن يسقط في الطريق مرتين، فاكتشفت صيدلانية شابة مسألة الضغط وأوصت بضرورة الإسراع إلى أقرب مستشفى. لم يقبله مستشفى واحد نظرا لكونه يتحدث ويمشي كالمعتاد !. أعادوا قياس الضغط، وسلموا وأقروا بأنه في مستوى وسط ما بين الكارثة والمصيبة. القصد، بدأ في تلقي العلاج. جميل.وحينها، أوصى ثلاثة أطباء بضرورة تناول الطعام بطريقة جديدة مع الالتزام بمنع الزيت والسمن، والسكر والملح، والتركيز في المقابل على الخضر والفواكه، والسمك، والزبادي، والخبز الأسمر، والشوفان. تغيير نمط الحياة تماما. فلابد أن يخسر عتريس 15 كيلوجراما كاملة بأسرع وقت، على أن يمشي يوميا لمدة لا تقل عن الساعة. مشي فقط. لا مشكلة. بالتزامن مع هذه المتغيرات الطفيفة في حياته، حدث أمران غاية في الأهمية بالنسبة لمسعدة: أصبح لديها فرن كهربائي كبير وأنيق للطهي، يمكنه ضبط درجة الحرارة بالشعرة، والمدة الزمنية اللازمة لإعداد الطعام بالثانية، كما أصبحت زبونة دائمة لمدام هالة على شبكة الإنترنت. وبدأت الملحمة. باتت مسعدة تعجن وتخبز مرتين أسبوعيا. تبدع في إنتاج أنواع من المعجنات رفيعة المستوى بالسمن البلدي، وأخرى بالسمن والزيت معا، محشوة باللحم وقطع الدجاج، أو قرديحي، إلى جانب صوان مربعة من المكرونة فرن ممتازة الصنعة عالية المكونات. ثم حققت قصب السبق على نساء العالمين بإعداد الفطير المشلتت منزليا، ولم تبخل عليه بالزبد الفلاحي الحر مطلقا. وأخيرا حققت النصر النهائي على نفسها بإعداد كعك السويس رول الهش متعدد الألوان، وكعكة البرتقال والسفن أب المنفوشة. زاد وزن عتريس، وسمن ولداه، ومسعدة بطبيعة الحال، وباتوا في حاجة إلى عمرة كاملة في ملابسهم لستر ثنايا الجانبين، وكرش البطن، مع مداراة الأرداف. في الواقع، يلزمهم أجولة من الجوت المتين المخصصة لتعبئة البطاطس والبصل، لا ملابس من محل معتاد في مركز تجاري كبير أو صغير. بقر سمين يسعى على قدمين لا أربع. ما شاء الله، يحميك..- أرجوك ! هذا الطعام لا يناسبني.- أنا لن أحرم العيلين من شيء.- لا تحرميهم بالله عليك ولكنني احتضر، ألا تدركين ؟.- المهم .. سأقلل الطبخ والعجين للجميع وهذا قرار نهائي !.في الطريق إلى الخرابة، محل عمله، صباح الخميس شعر عتريس بالغثيان. للأسف، مازال عقله يعمل بصورة طبيعية، فأحس بالقرف. إنه يتحدث إلى حبيبته مسعدة في أي موضوع، ويكرر الجمل بنفس التركيب البسيط للجملة العربية المتعارف عليها، ولكنها تستمع إليه بعقلها لا بأذنها، فتفهم من كلامه ما تريد كيفما تريد. أو لا تفهم. هل يكتب ما يريد فتقرأه، حتى تستوعب كما ينبغي، وقتما تحب ؟. إنها امرأة كسائر النساء، تتمنى حياة رغدة في بيت يعج بالآلات حتى وإن ضاقت المعايش والأرزاق، والأوردة والشرايين. طموح بلا سقف في بلاد بلا عقل. ثقافة عامة. تمنى عتريس لو يخرج الطبيب قلبه المعتل وهو في العيادة ليلقيه إلى الكلاب في الشارع علها تنتفع به. صدقة على روح المرحوم. أما عقله فليحتفظ به كهدية وتذكار، وليضعه في إناء زجاجي شفاف محكم الغلق ويغمره بكمية كافية من سائل الفورمالين. وسوف يوصيه بأن يسجل فوق بطاقة التعريف الملصقة على الإناء: "عاش من أجل العيال، ومات بسبب الفرن".

مشاركة :