التصريحات تقول إن لا أحد يريد الحرب بين إيران والولايات المتحدة. هذا هو حال جميع المعنيين، علنا على الأقل. رغم ذلك جهزت جيوش في البر والبحر والجو، فتأهبت عواصم واستنفرت سفارات. قد تبدو الحرب الشاملة على إيران مغرية بالنسبة للبعض، ولكن الدول العاقلة، ومنها من تقع على خصومة مع طهران، تعرف أن ألسنة هذه الحرب ستمتد ولن يسلم منها حتى أبعد جيران إيران في المنطقة. ثمة سيناريوهات عسكرية أخرى لمعاقبة إيران على سنوات طويلة من الرعونة، ولكن أيا منها لا يحمل ضمانات بعدم انزلاق الأمور إلى حرب شاملة، وبالتالي العودة إلى مربع الخطر الذي يخشاه الجميع. الضمانات في هذه الأزمة ليست فقط معضلة الخيارات العسكرية لحلحلتها، وإنما السياسية أيضا. فإيران والولايات المتحدة تبحثان عن ضمانات لأي اتفاق قد تتوصلان له، قبل أن تبدآ التفاوض حوله. لا تريد طهران أن تبرم اتفاقا قد ينسحب منه الرئيس القادم للولايات المتحدة، ولا يريد الروس والأوروبيون والصينيون مثل هذا الاتفاق أيضا، لأنه يبقي عصا العقوبات الأميركية على رقاب شركاتهم ومصارفهم. على الضفة الأميركية، لا تطمح واشنطن لاتفاق يسمح لإيران بتطوير أي سلاح خارج حدود المراقبة الدولية، حتى ولو كان رمحا أو سيفا. كما أنها لا تريد أن تواصل إيران تمددها في المنطقة لتغدو قوة عظمى. دول الخليج العربي، جيران إيران، لا تنتظر اتفاقا بينها وبين واشنطن يخلو من ضمانات لعدم تدخلها في شؤونها. وهو مطلب تشترك فيه مع عدة دول عربية تعاني الأمر ذاته في سياسة إيران الخارجية. تقليم أظافر طهران في المنطقة وفتح الباب أمام إنهاء أزمات الشرق الأوسط، لا يهمان فقط دول المنطقة، وإنما أيضا الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا. لكل أسبابه في ذلك طبعا لكن لجم إيران هو خطوة أساسية. ثمة دول مثل الهند، تفضل وجود ضمانات اقتصادية لأي اتفاق أميركي-إيراني مرتقب. فكلما توترت علاقة الدولتين ترتفع أسعار النفط، ويدخل الاقتصاد العالمي في مشكلات لا ناقة لأحد فيها ولا جمل. إسرائيل هي الأخرى تريد الاطمئنان للاتفاق المرتقب بين طهران وواشنطن. تريد وقف تدفق الأموال والدعم إلى الميليشيات الإيرانية التي تجاورها، وتريد أيضا المحافظة على معادلة تفوقها العسكري في المنطقة. كثرة الأطراف المعنية بالاتفاق بين طهران وواشنطن تجعله مرتقبا وتاريخيا، وتدفع به أولوية بالنسبة للدولتين، ولكن هل يمكن أن يحصل العالم على اتفاق ينضح بضمانات ترضي إيران وخصومها معا. إن هزيمة إيران عسكريا، ستجبرها على اتفاق يمنح واشنطن كل الضمانات التي تريد، ولكن ما ثمن هذه الهزيمة بالنسبة لدول المنطقة التي ستكون أرضها هي ميدان الحرب الأميركية الإيرانية فعليا؟ ربما تستطيع الصين إجبار إيران على التفاوض مع الولايات المتحدة بأقل الشروط، ولكن تخلي الصين عن إيران لن يكون إلا مقابل وقف الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة بأفضل المطالب الصينية. وسواء جلست طهران وواشنطن لتبحثا اتفاقا جديدا، عبر الحرب أو عبر التفاوض، فإن النتيجة لن تكون مرضية لجميع الأطراف، ومن يتوهم بصفقة عادلة للجميع لا يزال يحبو في عالم السياسة. لا تريد واشنطن أن تمنح ضمانات للجميع في اتفاقها مع طهران، كما أنها لا تريد أن يتحول الشرق الأوسط إلى بقعة سلام. لم تكن يوما رسول سلام إلى المنطقة ولن تكون في عهد الرئيس دونالد ترامب. ثمة ثلاثة سبل للحصول على ضمانات في الاتفاق المقبل بين أميركا وإيران. المال أولا، ودعم ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والخيار الثالث هو مقايضة الضمانات بمصالح تهم واشنطن.
مشاركة :