مظلومية الليبرالية في الظن العربي

  • 3/26/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تبدو حظوظ مضامين المشروع الليبرالي العربي وافرة في المستقبل القريب، خاصة مع توافر العوامل المساعدة على إنجاحه، كزيادة الوعي الاجتماعي، والانفتاح على العالم، ودخول عصر الاتصالات مرحلة متقدمة جداً من السرعة، وأظن أنه من الصعوبة جداً إيقاف مده بنفس الوسائل الأولى، والتي اعتمد عليها السياسي العربي سابقاً، وبات في حكم المؤكد أنه يحتاج إلى وسائل غير تقليدية لينجح في وقفه مرة أخرى، فالليبرالية في الواقع لم تعد مجرد أفكار تركز في سعيها إلى التأكيد على حرية الفرد، بل تكاد تكون الآن ضرورة ملحة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، إذ إن التغيرات العالمية في أوروبا وأميركا وشرق آسيا، تعلن بوضوح أنه لا بديل ولا غنى للحكومات العربية عن التطبيقات الليبرالية في كثير من مناحي الحياة، والتغيير المطلوب هنا هو التحول إلى ليبرالية مسؤولة، تراعي مضامين البنية الاجتماعية، كي لا تصطدم مع ذات المجتمع وتوجهاته، وتبقي لنفسها مساحات من القبول والتأييد من خلال نجاحها في الأوساط العربية، ولنا في التجربة اليابانية والكورية والماليزية، خير أمثلة على إمكانية فهم المجتمعات للمفاهيم الليبرالية وهضمها بما لا يمس الأصول الاجتماعية، وأن أي مجتمع يمكنه أن يستقطب الفكر الليبرالي بما يوائم احتياجاته، إلا أن الليبرالية على الرغم من حداثتها قد تعرضت للتشويه من أكثر من جهة وعلى أكثر من صعيد، وبطريقة تبدو ممنهجة أحيانا، ليتردد العقل العربي والنفسية العربية في قبول مفاهيمها، وفي ذلك يذكر "إحسان طالب" الباحث في الشؤون الإسلامية ضمن بحثه (نقد المشروع الليبرالي العربي) قائلاً: "لما كان التيار الليبرالي العربي يعزف ألحانا متعددة ومتكررة على وتر الديمقراطية والحرية وحق الشعوب في تقرير طبيعة نظمها وانتخاب ممثليها وحكامها، كان السعي حثيثا من قبل الأنظمة إلى إلحاق شبهة العمالة للغرب لأنصار قيم الحداثة والعقلنة والانفتاح الفكري والثقافي، بحجة الحفاظ على الخصوصية والهوية وبدعوى أن مطالب الحرية والديمقراطية تأتي من الخارج وليست مطلبا وطنيا لكون الأمة والوطن يتعرضان للغزو العسكري والثقافي. واستغلت بعض الأنظمة الحاكمة سطوة الأصولية على طبيعة وبنية التفكير الغالب في الشارع العربي لإظهار الدعوة الليبرالية كعدو لله والوطن بذريعة أنها تحارب المنهج السلفي وتستند في مرجعيتها إلى الثقافات الغربية. وهنا لا بد من التأكيد على الفصل والتباين بين المشروع الأميركي لشرق أوسط جديد أو كبير وبين المشروع الليبرالي العربي. حيث لا يمكن بحال من الأحوال ربط المشروعين بحجة التشابه الظاهري في المطروحات، ذلك أن الدعاوى الأميركية بمناصرة الديمقراطية والحرية لا تشكل أساساً أو ذريعة للالتفاف على مبدأ حق الشعوب في الحرية والديموقراطية كمطالب وطنية وشرعية. وإذا كانت مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل هي المنطلق والأساس للتحركات والتوجهات الأميركية في المنطقة فإن المصالح العليا للشعوب والدول العربية هي الهدف والغاية للمطروحات الليبرالية العربية وفقا لمنظور ومفاهيم قد تبدو غير مألوفة أو غير اعتيادية". إذًا فالمعنى المشوه لليبرالية ومفاهيمها، سيبقى مرادفاً للخروج عن الدين والانحلال الأخلاقي وما إلى ذلك من الخرافات والافتراءات، التي يقف خلفها أصحاب المصالح، و(البراغماتيون) المستفيد الأكبر بالتأكيد من ذلك التشويه، وهنا في الواقع أرى مشكلة تأخر قبولها أو الوعي بها، لكنني كما أسلفت متفائل بأن الزمن كفيل بالضغط من كل الاتجاهات للتطبيقات الليبرالية عربياً، ولن يطول الأمر كما في السابق، فالعقل العربي بدأ في طرح الأسئلة وحتماً سيجد كامل الإجابات يوماً أكاد أراه.

مشاركة :