تهبط السياسة حيناً إلى درك غير متوقع، ويسوق تضارب المصالح أو تباين الرؤى السلوك السياسي لبعض "الأنظمة" الى منزلقات تنافي لياقة الدبلوماسية وأخلاقيات العلاقات الدولية، غير أنه يبقى لكل سلوك حدود ولكل انزلاق خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها، الموقف الإيراني تجاه التدخل الخليجي لإنقاذ الشرعية في اليمن من زمرة انقلابية واستدراك الوضع الكارثي في بلد شقيق ومجاور لم يكن مفاجئا في محتواه وفجاجته، بل وحتى غرائبيته ومجافاته للمنطق، اذ ما كان لليمن ان يسقط في الفوضى ويدنو من حافة الحرب الأهلية لولا الدور الإيراني المحموم في اللعب على التناقضات اليمنية وتحريك بؤر الفتنة، وهو ذات الدور الذي تمرس عليه النظام الإيراني في سورية والعراق ولبنان. سفن السلاح الإيراني وعناصر الحرس الثوري المسخرة لدعم الانقلاب واثارة نزعات التقسيم، من وضعت اليمن على شفير الهاوية ليستحيل دولة فاشلة تسرح فيها جماعات التطرف والتكفير وتصبح قبلة الارهابيين من كل مكان، في تهديد صريح لأمن الاقليم والعالم بأكمله، الجبهة اليمنية كانت خاصرة رخوة لخيالات الامبراطورية البائدة وأحلام الهيمنة، عبر اخراج اليمن من دائرته العروبية والحاقه بالمدار الإيراني وسائر الماضين في ركب المرشد، بتوظيف مال الشعب الإيراني للعبث بالولاءات وارساء الخطاب الطائفي بين مواطني البلد الواحد. التدخل الخليجي الشجاع لاستعادة اليمن وانقاذ الشعب الشقيق من مآلات الفتنة والحرب الأهلية سبقته دعوات حثيثة لتغليب الحكمة واعلاء مبدأ الحل السلمي عبر الحوار بين الاطراف اليمنية، الحكمة الخليجية في حرصها على تجنيب اليمن وأهله مصيراً مظلما دعت الى مؤتمر جامع في الرياض للأفرقاء اليمنيين بلا استثناء، غير ان حماقة الانقلابيين ورعاته فوتت الفرصة لتجاوز الأزمة بأقل خسائر، ما فرض التدخل العسكري بدعم عربي وإسلامي ودولي واسع لإخراج اليمن من النفق المظلم الذي أدخله فيه الانقلاب الحوثي. (عاصفة الحزم) إذن جاءت في الوقت المناسب تماما قبل استكمال المشروع الحوثي/الإيراني في اليمن وبعد استنفاد كل الخيارات ومبادرات الحلول السلمية وعلى رأسها المبادرة الخليجية التي رمت لنزع فتيل الازمة مبكرا وتحقيق السلم الأهلي وشروط الشراكة الوطنية، فضلا عن مخرجات الحوار الوطني التي تجاهلها الانقلابيون ورموا بلدهم في اتون الفوضى. لذا بدا الموقف الإيراني الرافض للتدخل العسكري عبثيا ومستهجنا في ظل أذرعه العسكرية التي تعيث فسادا في المنطقة شمالا وجنوبا، وتستدعي النزعات الطائفية المدمرة التي تتغذى منها تنظيمات الارهاب ك"القاعدة" و"داعش" ومن لف لفهما. هذا الموقف العبثي الذي يأتي امتدادا لسياستها التخريبية المزمنة في المنطقة، ورفضها كل الدعوات للتفاهم والحوار واحترام سيادة واستقلال ووحدة دول الجوار، يثبت أن طهران لا تعي دروس التاريخ ولا تحمل اي نية لوقف عبثها وتدخلاتها المدمرة في شؤون الدول، عوضا عن ذلك ارتدت لبوس الحكمة ملقية دروسا في احترام سيادة الدول وخيارات شعوبها هي التي استمرأت العبث بهما وبمصائر الجوار تلبية لطموحات بادت ولا سبيل لعودتها.
مشاركة :