وظهرت معالم الخبرة السياسية عند المعارضة بالسودان في أشكال مختلفة، منها القدرة على الحشد، والاعتصام في الشارع لفترة طويلة، والتماسك في مواجهة الآلة العسكرية، والتصميم على الحصول على جميع أهدافها. وزاد تماسك تحالف إعلان الحرية والتغيير مع تصاعد الدور الذي يلعبه تجمّع المهنيين الذي يمثل عصب المعارضة حاليا. تكوّنت جبهة عريضة من المعارضة في السودان، وضمت قوى مختلفة قاومت إغراءات الاستقطاب ومناورات الضغط، وأصبحت مستعدة لمواصلة المعركة السياسية حتى آخر نفس. بينما افتقرت المعارضة في مصر لتحالف قوي يضمها ويمكّنها من الصمود والمواجهة، وانفضت سريعا الجبهة الوطنية للتغيير التي تشكلت في أواخر عهد مبارك من قوى مختلفة بصورة ساعدت جماعة الإخوان للقفز على السلطة، بحكم أنها الجماعة الوحيدة المنظمة آنذاك، وبعد سقوطها وتفسخ المعارضة المدنية لم تجد تصورات المؤسسة العسكرية من يتصدى لها. يختلف الوضع في السودان في هذه الجزئية، حيث فشلت محاولات المجلس العسكري الانتقالي في تمرير تصوراته كاملة، ويواجه معاناة كبيرة في تخفيف تطلعات قوى الحرية والتغيير، التي تشعر أنها الطرف الثاني في الميزان، الذي يمثل الشعب إحدى كفتيه، لذلك لا تتوانى عن المطالبة بسيادة الحكم المدني. تعتقد دوائر كثيرة أن أدوات المقاومة السياسية لدى السودانيين أكبر وأقوى وأكثر تأثيرا من المصريين، وما نجح مع الفريق الثاني ليس بالضرورة مضمون النجاح مع الفريق الأول. وهي المعضلة التي تحد من قدرة المجلس العسكري الانتقالي على فرض سيطرته الكاملة عبر الرؤية التي يقدمها للمعارضة، وأدت إلى تعثر جولات التفاوض وأدخلتها في دروب متعرجة، ومعارك لكسر العظم سوف يتحدد بموجبها أيهما يرضخ أولا لمفكرة الآخر، الأمر الذي افتقرت إليه القوى السياسية في مصر، التي استسلمت لما جرى تدبيره لها من سيناريوهات. حضور الإسلاميين تبقى النقطة الفاصلة، أن التيار الإسلامي الذي خسر السلطة في مصر بات مرفوضا من عموم المواطنين، ويدير معركته السياسية من الخارج بالشكل الذي يحد من قدرته على التغيير بالداخل، في حين أن المشهد يختلف في السودان، فلا تزال الحركة الإسلامية لها حضور بالشارع وفي مؤسسات رسمية كثيرة، بما فيها الجيش، ولا تمانع المعارضة في التكيف معها، وعدم النفور منها أو الإقصاء، وهناك درجة من استعداد القوى المدنية للتعامل مع كوادرها. تعزز هذه المعطيات الفروق النسبية بين النموذجين المصري والسوداني، وأن التصميم على الربط والدمج والقياس والمقارنة ربما يضع الكثير من العثرات في طريق تحالف الحرية والتغيير، ويفقده جزءا من الحراك والفعالية والزخم والحشد الذي نجح في نشره داخل السودان، وأكسبه تعاطفا خارجه، ويفوت عليه فرصة جيدة لتغيير الواقع المشوّه الذي أنتجته تجربة البشير الطويلة.
مشاركة :