في هذا الحوار يقول الرجل لزوجته إن هذه الرائحة تصدر عمن يبقون لمدة طويلة تحت الأرض، ثم يعمم أكثر فيقول إنها تصدر عادة عن الذين يستخدمون قطارات الأنفاق، أي المنتمين للطبقات الأدنى. هذا الشعور بالاستعلاء، والتأفف من “الأدنى” سيدفع ثمنهما السيد بارك طيب القلب في النهاية، ولكن الجميع سيدفعون الثمن أيضا. ليس مسموحا لنا بكشف ما تكشفه لنا التواءات الحبكة الممتعة في الثلث الأخير من الفيلم حتى لا نفسد متعة المشاهدة. فالأفلام صُنعت أصلا لكي يشاهدها الجمهور لا لكي يكتفي بالقراءة عنها، وهدف الكتابة هو دفع القراء لمشاهدة الأفلام وليس العكس. ينقل الفيلم رسالته في هجاء مجتمع الظلم الاجتماعي دون شعارات جوفاء وكلمات كبيرة، بل في سياق فني خلاب، يأسر القلوب، يجعل المشاهدين يستمتعون بالمقالب الطريفة، وبالمواقف التي لا يمكن توقعها، وبالحوار الساخر الذي يصل في أحد المشاهد إلى قيام زوجة كي تايك بالمحاكاة الساخرة لمذيعي الأخبار في تلفزيون كوريا الشمالية وكيف يشيدون في أسلوب خطابي بحكمة وتبصر وإرادة الزعيم- كيم إيل يونغ، بطل السلام الذي سيخلص العالم من السلاح النووي.. الخ! هناك عناية كبيرة تصل حد الكمال في تصميم الديكورات خاصة ديكور قصر أسرة بارك، واختيار جيد ثم إدارة ممتازة لمجموعة الممثلين جميعا. وهناك استخدام مذهل للقدرات التقنية الحديثة للسينما كما تتجسد في المشاهد الهائلة للطوفان الذي يجتاح المدينة ويؤدي إلى طفح مياه الصرف الصحي التي ترتفع في الأحياء الفقيرة وتغرق البيوت والبشر، ومن بينها بيت أسرة كي تايك المسكينة التي تجد نفسها بين المشردين الذين أصبحوا بلا مأوى. وفي الفيلم الكثير من الإشارات التي ترمز لأشياء مستقرة في الضمير الشعبي في كوريا، يمكن بالطبع أن يلتقطها ويفهمها الجمهور الكوري الذي سيشاهد الفيلم نهاية الشهر القادم بعد أن يصبح في دائرة التوزيع هناك. هل يحصل “طفيل” على “السعفة الذهبية”؟ لا شيء مستبعدا بالطبع. بل هو في رأيي قد يكون “الأقرب” إلى الفوز بها، لكن منافسه القوي هو “ذات مرة في هوليوود” للساحر الكبير تارانتينو. لكن يجب أن ننتظر. فمن يدري!
مشاركة :