«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (11 ) : أفلام إيطالية وشرق آسيوية أنقذت المسابقة من الهوان

  • 5/23/2015
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

سيُكتب في تاريخ المهرجان أن الدورة الحالية، الثامنة والستين، التي انطلقت في الثالث عشر من هذا الشهر وتكتب نهاياتها مساء الرابع والعشرين منه، أنقذتها أفلام إيطالية وشرق آسيوية. خمسة أفلام فرنسية في المسابقة ولا واحد منها أهل للجائزة، ولو أن المهرجان لا يعترف بذلك. في المقابل أفلام عدّة في المسابقة الثانية «نظرة ما» كانت تستحق أن تلتحق بالمسابقة لكن الخيارات العجيبة للإدارة منعتها من الوصول. لكن المستوى العام في الأيام القليلة الأخيرة تحسّن إلى حد بعيد بفضل بضعة أفلام تمتّعت بما يبحث عنه المشاهدون من قيمة في الفكر والفن معًا. «شباب» الذي جئنا على ذكره فقط يوم أمس، هو الأفضل في جوانب كثيرة. دراما من المخرج الإيطالي باولو سورنتينو حول صديقين يلتقيان في فندق سويسري في بعض جبال الألب. الأول هو الموسيقار البريطاني فرد بالينجر (مايكل كاين) الذي جاء بصحبة ابنته (راتشل وايز)، والثاني المخرج الأميركي ميك بويل (هارفي كايتل) الذي وصل لينطلق بتصوير فيلم جديد له. وهو وصل مع بعض أفراد فريقه من الكتّاب بحثًا عن الإلهام وللتفكير في النهاية المناسبة للسيناريو. المخرج سورنتينو هو الذي حقق قبل عامين ونصف الفيلم الممتاز «جمال عظيم» عن ذلك الصحافي الذي تحوّل إلى نجم اجتماعي ووجد نفسه فارغًا من المعطيات في مجتمع فارغ، بدوره، من القيم - حسب ذلك الفيلم. في صميمه البحث عن الماضي وملاقاته في الحاضر. لماذا روما كانت ما كانت عليه؟ ولماذا أصبحت اليوم مجرد حشد اجتماعي كشأن مدن كثيرة؟ اغتيال الفيلم الجديد لا يبتعد عن هذا الطرح، لكن الجديد هنا هو أن الموقع محدد بذلك الفندق على كبره. واحد من تلك الفنادق التي تصلح للإقامة الأبدية وسط ربوع طبيعية وديعة وبعيدة عن شواغل الكون. بالينجر يرفض طلب مبعوث الملكة إليزابيث العودة عن عزلته وقيادة حفل موسيقي للحن الذي كان كتبه لزوجته. يخبره أنه معتزل وأن المقطوعة التي ألّفها كانت لزوجته وحدها. المخرج بويل ينتظر وصول بطلة فيلمه المقبل (جين فوندا) وهي تصل بالفعل، لكن ليس لقبول الدور بل لرفضه. تقول له: «وقعت على عرض لمسلسل تلفزيوني في المكسيك سيمكنني من تأمين مستقبل أولادي». حين يقول لها: «لكن هذه سينما وذاك تلفزيون»، تذكّره بأن سينماه هذه هي من الأمس وتضيف أنه خارج التاريخ، وأن أفلامه الأخيرة لم تعد في مستوى تلك التي حققها سابقًا وجعلته اسمه عالميًا. هناك شخصيات كثيرة أخرى يدفعنا الفيلم لملاحظتها، من بينها ذلك الرجل البدين جدًا (بول دانو) الذي وشم على ظهره صورة كبيرة لكارل ماركس. الصورة تغطي ظهره كما لو كانت، وهو غير القادر على الحياة من دون معونة، نعيًا لماركس والشيوعية ورمز لنهاية فترة. لكن بطلي الفيلم يبقيان في القيادة لأن الرمز الأهم هو ما يبنيه المخرج من خلالهما: عجوزان يعيشان وضعًا غير مريح سببه البون الواسع بين الأمس الذي تلألأ فيه وبين اليوم. الفيلم الثاني الذي يسترعي الانتباه، ولأسباب مختلفة، هو «المُغتال» The Assassin (أو «القاتل») الذي يرمز عنوانه إلى محاربة في أحد قرون الأمس في الصين قررت الانتقام لكن العاطفة هي التي تغلّبت على الرغبة في نهاية المطاف. وهو للمخرج التايواني هاو سياو - سيين. إنه القرن التاسع والفتاة ناي يينينغ (الممثلة شو كي) أميرة تجيد القتال كما لا يجيده أحد. في مطلع الفيلم هناك أحد الأسياد على صهوة فرسه ووراءه جيش يشق طريقه في الغابة. من قبل أن يرف جفنه يفاجأ بناي وهي تقفز من بين أغصان الشجر وتجز عنقه. سياو - سيين كان طرح نفسه منذ البداية بوصفه مخرج دراما نوعية لا علاقة لها بأفلام الحروب والقتال. هذا الفيلم ليس تراجعًا بقدر ما هو توسيع دائرة أو منوال، فهو ما زال يسعى لرسم العلاقات والشخصيات في المقام الأول. يريد أن يشرح لماذا بطلته، التي كان يمكن لها أن تكون قاتلة بلا قلب ما يتيح المزيد من مشاهد القتال والمعارك، مختلفة. كذلك يوجز المعارك إلى حد بعيد لكن حين تأتي ينفّذها كما لو كان جوني وو (أحد المخرجين الصينيين المنشغلين بأفلام من هذا النوع). في نهاية المطاف هو يريد أن يقدم عملاً ينتمي إلى ذلك النوع من الأفلام، لكن من ناحية أخرى يريد أن يكون هذا الانتماء مشروطًا بأسلوبه الخاص وينجح في ذلك، ولو أن النتيجة الكلية للفيلم لن تبرر ما قام به أمام الكاميرا وخلفها. بالعودة إلى السينما الإيطالية، وإلى جانب «حكاية الحكايات» لماتيو غاروني، الذي استعرضناه في رسالة سابقة، نجد عملاً جيّدًا آخر، ولو بشروط، من المخرج المعروف ناني موريتي عنوانه «أمي». موريتي الذي تحدّث عن نفسه في «مذكرتي العزيزة» وعن ابنه في «غرفة ابني» يتحدّث الآن عن أمّه التي توفيت بينما كان يصوّر فيلمه السابق «لدينا أمل» قبل ثلاث سنوات. ما يقوم به هنا ليس بالضرورة سيرة ذاتية لأنه لا يلعب شخصيته في الحياة على الشاشة، بل يمنح الممثلة مرغريتا باي هذا الدور، فهي مخرجة سينمائية وأمها هي التي تمضي حياتها الأخيرة في المستشفى، بينما يظهر هو في دور الشقيق الذي لا يعمل في السينما ومتبرم من أن شقيقته المخرجة ليس لديها الوقت الكافي لزيارة أمّها. لكن موريتي - المخرج يمنح بطلته ما لا يعرفه موريتي - الممثل (شقيقها في الفيلم) فهي لديها ابنتها التي عليها أن ترعاها، وشقّة تنتقل منها إلى شقّة جديدة وصديق تركته وأم في المستشفى، وفوق ذلك كلّه فيلم تقوم بإخراجه. وإذا كان كل ذلك لا يكفي، فها هو الممثل الأميركي باري هاغينز (جون تورتورو) يصل إلى روما ليبدأ تصوير مشاهده. لكنه شخصية مثيرة للتعجب بالنسبة للمخرجة الإيطالية التي تدرك في الحال أنها أمام ممثل قد يتعبها أمام الكاميرا وسيأخذ من وقتها ما لا تملكه. موريتي له يدان تشتغلان على كل فيلم: واحدة تؤمن الموضوع الدرامي في صميمه، والثانية تعالجه بالسخرية والمواقف التي تطرح بعض المرح، وهو هنا لا يختلف في ذلك عن معظم أعماله السابقة. ما يختلف إلى حد ملحوظ هو اشتغاله على الفيلم الروائي من دون تلك اللمسة التسجيلية السابقة، ولو أنه ناجح هنا كما كان ناجحًا في منوال عمله السابق.

مشاركة :