كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا حلت العشر الأخيرة من رمضان، يشد مئزره، ويعتكفها حتى توفاه الله، وكان خير العبَّاد، المتقربين إلى الله في هذا الشهر، ذلك لأن فطرة الإسلام تقر صوم الجوارح كما تفرض الطاعة في الاقتداء، فيجزل المرء الاقتداء في طاعاته، وخير من يتفرغ للصوم بمعانيه ومسالكه هو نبي الهدى، البشير عليه الصلاة والسلام، والنذير في آن.. إذ لم يكن ينطق عن هوى، ولا يسلك من تلقاء ذات بشرية لم يجبلها الخالق العظيم على حسن خلق، وثقة ظن فيما وعد الله به عباده المؤمنين حقًّا، أولئك الطائعون المقتدون بخير من يحسن الإحسان، لإرضاء ربه.. ليس من عواهن القول هذه السطور فكلنا بشر خطاؤون، مقصرون لا نرقى لمراتب التنزه، ولا نخلو من النقص، والقصور، غير أن المشهد العام للناس في رمضان يؤكد لهو جمهرة الصائمين عن الاقتداء العام، وحسن الاقتداء تخصيصًا، إذ مثلا كم هم المعتكفون؟! بل كم هم المعنيون بمقاصد الصوم في ليالي رمضان حين هذا الحشد المذهل من البرامج، والمسلسلات، واللقاءات، والمنوعات الجاذبة لانشغالات الصغار، والكبار قبلهم بها تعصف بأوقاتهم، وتجذب اهتمامهم، مع تفاهة أغلبها، وسطحيتها، وفراغها من القيم العامة، ومن القيمة الفكرية السامية..؟!.. وفي نهاراته حيث يعم النوم، ويزدحم الانصراف بمشاغل بعيدة عن الصوم إلا جوعًا، وعطشًا بشكل عام بين فئات المجتمع؟!.. ترى كيف يؤسس الجيل الناشئ على نهج الاقتداء، ويتفهم واجباته التعبدية، ويحسن أداء طاعاته ولو في أيسر صورها دون أن يكون صومه جوعًا، وعطشًا، ونومًا في النهار، ولهوًا، وتبديد وقت في الليل؟!.. إن السلوك المعتدل في العبادات يتطلب أن تؤدَّى على وجه صحيح، وفهم سليم، تفرغ له النفس، وترغب فيه، وتخفق به الجوانح، وتتطوع له الجوارح، قبل أن يكون عادة مفروضة، لا يتحقق منها إلا مظهرها.. فمتى يتحقق أن تكون في خطط، واستراتيجيات «الإعلام» جعل برامج رمضان أكثر جدية، وفائدة، وتوجها للأفكار التي تختصر للمجتمع مفردات السيرة النبوية العظيمة، ومسالك التعبد الصحيحة، وحكمة الصوم، ونماذج الفضائل للشعائر تلك التي تبني الحياة بشكل سليم، ولا تهدم بنية الإنسان في خضم مساره فيها.. بوجود القدوة خير من نتبعه عليه الصلاة، والسلام، لتوطين الرغبة في سعادة الدارين.
مشاركة :