مراهنة كل من قطر وتركيا على الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي زاد من عزلة البلدين في المنطقة، نظرا لما بات يشكله هذا التحالف من خطر على أمن واستقرار الشرق الأوسط. ويعتمد البلدان على دعم جماعات الإسلام السياسي لبناء نفوذ في دول تشهد أزمات على خلفية ما سمي بـ"الربيع العربي"، ولكن التجربة الفاشلة للجماعة في تونس ومصر أماطت اللثام عن حقيقة الأجندة القطرية التركية. ويرى محللون أن محور قطر تركيا يواجه خطر فقدان النفوذ في دول تشهد أزمات حاليا وتدخلات إقليمية، مثل السودان وليبيا، وذلك لصالح محور السعودية والإمارات. ويشار في هذا السياق إلى أن المحور السعودي الإماراتي يتبنى موقفا واضحا حيال أمن المنطقة مبني بالأساس على التنسيق فيما بين الدول العربية لضمان استقرار المنطقة وتضافر الجهود لمحاربة الإرهاب والتطرف. ورفض التدخل القطري في الشأن الداخلي لدول المنطقة ودعم جماعات الإسلام السياسي التي تحوم حولها شبهات بدعم تنظيمات إرهابية متورطة في هجمات دامية في أكثر من منطقة بالعالم. وكان البيت الأبيض أكد أنه باتجاهه إلى إدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن القائمة السوداء لما باتت تشكله من خطر على الأمن الدولي لثبوت صلة الجماعة بأكثر من حادثة إرهابية. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تكرس ضغوطا كبيرة على تركيا وقطر اللتان تستضيفان قيادات إخوانية.وتراقب الدوحة بحذر وصمت تطورات الأحداث في السودان بعد الإطاحة بحليفها الإسلامي عمر حسن البشير في 11 أبريل. وكان وصف رئيس الوزراء السوداني الأسبق والمعارض البارز الصادق المهدي حكومة الرئيس عمر حسن البشير بأنها "مفلسة ماليا وسياسيا وفكريا"، ورأى أن السودانيين "لن يتحملوا هذا الوضع كثيرا". كما أكد على أن "هناك علاقة وثيقة تربط السودان وقطر وتركيا، وهي المرجعية الإخوانية". وفشل الدعم القطري السخي لنظام البشير في تهدئة تحركات الشارع السوداني المنتفض الذي راهن على ضرورة الإطاحة برأس الدولة، كما شكل السودان خلال حكم البشير نقطة انطلاق لتركيا للسعي لتعزيز وجودها في المنطقة. ويقول الأستاذ في جامعة كينغز كولدج في لندن أندرياس كريغ إنّ "الدوحة فقدت إثر الثورة نفوذها في السودان". وأضف أنّ الرجل القوي الجديد في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان، "تربطه علاقات وثيقة بأبو ظبي أكثر من الدوحة". وكان وصل إلى جدة أمس الخميس نائب رئيس المجلس الانتقالي السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو والتقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة. وكان موقف السعودية من الثورة السودانية واضحا، حيث أعربت عن دعمها لتطلعات السودانيين كما ثمنت دور المؤسسة العسكرية في تجنيب البلاد الدخول في منزلق الفوضى والعنف. وكانت الإمارات والسعودية أعلنتا في 21 أبريل الماضي، بعد عشرة أيام على الإطاحة بالبشير، تقديم دعم مالي قيمته ثلاثة مليارات دولار للسودان. وسياسة اللعب مع كل الأطراف التي غلبت على علاقة النظام السوداني بدول المنطقة، قد انكشفت للجميع وأفقدته مصداقيته أمام دول المنطقة وخاصة السعودية والإمارات بعد لجوءه لقطر وتركيا.ويرى كريغ أن أبوظبي والرياض تعتمدان على العسكريين السودانيين الممسكين حالياً بزمام السلطة في الخرطوم لمنع عودة الإسلاميين إلى الحكم مرة أخرى وسد جميع المنافذ أمام المخططات القطرية التركية التي تهدد مصالح البلدين. ويشكل دعم الدوحة لجماعات الإسلام السياسي والتدخل في الشأن الداخلي لدول الخليج بشكل يمس من استقرار المنطقة أبرز أسباب إعلان الدول الأربع (السعودية والبحرين والإمارات ومصر) مقاطعة قطر عام 2017. وتصاعدت المخاوف في ظل الجمود الذي خيم على مفاوضات الانتقال السياسي بالبلاد بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى المعارضة من سيناريو ليبي جديد في السودان. كما يواجه المحور القطري التركي المصير ذاته في ليبيا بعد تشديد الخناق على حلفائها في طرابلس من قبل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. ويقود الجيش الليبي بدعم عربي وغربي حربا ضد الإرهاب والتطرف وضد الجماعات المسلحة، حيث ضيقت قواته الخناق على ميليشيات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بانتظار تحريرها بالكامل. وكشفت معركة تحرير طرابلس حجم الدعم التركي القطري لميليشيات طرابلس، ومن المؤكد أن هزيمتها ستشكل ضربة موجعة للبلدين وتراجعا حادا لنفوذهما في ليبيا. ويبدو أن مراهنة قطر وتركيا على جماعات الإسلام السياسي لم تأت أكلها وكانت نتائجها عكسية.
مشاركة :