تفتح التطورات الميدانية في محيط العاصمة الليبية طرابلس، الباب واسعا أمام سلسلة لا تنتهي من التساؤلات، وعلامات الاستفهام حول مغزى الصمت الإقليمي والدولي، إزاء الدور التخريبي الخطير للمحور القطري-التركي، الذي دفع بأدواته الوظيفية إلى استهداف المدنيين الأبرياء، ثم محاولة استثمار معاناتهم بشكل سياسي بشع. وكشف القصف الصاروخي والمدفعي العشوائي الذي شهدته العاصمة طرابلس ليلة الثلاثاء-الأربعاء، حجم هذا الاستثمار الذي تعددت الذرائع التي تغطى بها، وذلك في سابقة عكست أن قواعد اللعبة الإقليمية، لم تعد مُتوازنة على ضوء انضمام إيطاليا إلى محور قطر-تركيا الذي يسعى إلى نجدة الميليشيات ومُسلحي تنظيمات الإسلام السياسي بكل الوسائل. ويبدو أن قواعد الاشتباك الراهنة التي فرضها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، منذ بدء معركة تحرير طرابلس في الرابع من الشهر الجاري، قد أربكت كثيرا تلك الأدوات الوظيفية، التي عمدت بنصيحة قطرية وتركية إلى ذلك القصف العشوائي تمهيدا لمعادلات جديدة في المقاربة العسكرية القادمة.وتعرضت العاصمة طرابلس ليلة الثلاثاء-الأربعاء إلى موجة غير مسبوقة من القصف الصاروخي والمدفعي الذي استهدف المدنيين، ثم فجأة نشرت حكومة الوفاق صورا لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، وهو يتفقد المناطق التي سقطت فيها تلك الصواريخ، وذلك مباشرة بعد أن زارها وزير داخليته فتحي باشاغا صحبة آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي، وذلك في مشهد مسرحي سيء الإخراج. ومع ذلك، سارعت الميليشيات إلى اتهام الجيش الليبي بالوقوف وراء ذلك القصف العنيف، وذلك للتغطية على هزيمتها وتقهقرها أمام ضربات الجيش الليبي، وفي نفس الوقت، مُحاولة استعطاف الرأي العام، وتشويه الجيش الليبي. ودفع ذلك القصف، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، إلى وصفه بـ”المُروع″، فيما وصفته القيادة العامة للجيش الليبي بالعمل الإرهابي، وتوعدت في بيان لها بمحاسبة مرتكبيه المعروفين لديها بالأسماء. وأكدت في بيانها أن الميليشيات التي تتخذ من طرابلس رهينة لها هي التي “قامت بالرماية العشوائية بواسطة صواريخ غراد والراجمات على ضواحي المدينة”، مؤكدة في نفس الوقت إدانتها لهذا العمل الإجرامي. وقالت شعبة الإعلام الحربي في بيان الأربعاء، تعليقا على القصف الذي استهدف المدنيين، إنها “تحصلت على معلومات مفادها منع الميليشيات تسليم جثامين شهداء القصف الغادر على حي الانتصار بمنطقة ‘أبوسليم’ إلى ذويهم لدفنهم”، مشيرة إلى أن الجنازة وبناءً على تعليمات فايز السراج وفتحي باشاغا ستكون جماعية في ميدان الشهداء طرابلس. وأشارت الشعبة إلى “أن هذه الميليشيات المارقة التي أذاقت الشعب الليبي في طرابلس الويلات طيلة سنوات ومنعت عنه كل وسائل الحياة وتقاتلت فوق رأسه مليون مرة وامتصت قوته ونهبت المليارات لا تزال ترتكب جريمة تلو الأخرى فهي لم تكتف بقصف الشهداء فقط بل تتاجر بجثامينهم حتى بعد استشهادهم في محاولة لكسب موقف وتعاطف دولي”. وتابع البيان “لقد تابع شعبنا الليلة الماضية المسرحية السمجة التي قام بها كل من السفاح فتحي باشاغا ومنتحل الصفة فايز السراج ومُهرب الوقود أسامة جويلي من منزل شهداء القصف ولكن مسرحيتهم هذه كانت سيئة الإخراج وكشفت حقيقة المتورط في قصف الأبرياء حتى أنهم تناسوا الترحم على الشهداء في منزلهم وعوضا عن ذلك وجهوا رسائل الاستجداء لمجلس الأمن”. ورأى مراقبون أن هذا العمل الإرهابي، يُشكل في واقع الأمر فصلا جديدا من عربدة الميليشيات، وهي عربدة بدت حمالة وجوه ورسائل في اتجاهات مُتعددة، بالنظر إلى توقيتها وأسلوب إخراجها والمنحى التوريطي الذي اتخذته، لاسيما وأنها ترافقت مع تشجيع قطري وتركي واضح لتنظيمات الإسلام السياسي، على الهروب إلى الأمام. وعكس ذلك التشجيع، البيان الذي أصدره رئيس حزب الوطن الليبي، عبدالحكيم بالحاج الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة الذي ورد اسمه في قائمة المطلوبين للنائب العام الأشهر الماضية بتهم تتعلق بالإرهاب، ويُقيم حاليا في مدينة إسطنبول التركية، وصف فيه عملية تحرير طرابلس من الميليشيات بـ”الهجوم الباغي”. وفي المقابل، لم تتردد لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب (البرلمان) الليبي، في إدانة التدخل القطري التركي في الشأن الداخلي، حيث أكدت في بيان حمل توقيع رئيسها طلال الميهوب، أن قطر وتركيا قامتا بدعم “الإرهاب والتطرف بالمال والسلاح لتبقى البلاد في حالة فوضى وعدم استقرار”.واستندت في ذلك إلى “التصريحات القطرية في الأمم المتحدة المناهضة للقوات المسلحة العربية الليبية في حربها على الإرهاب وتطهير العاصمة من ميليشيات المال والإرهاب”. واستنكرت في بيانها “انتهاك البوارج الحربية التركية للمياه الإقليمية الليبية في محاولة بائسة لدعم المجموعات الإرهابية من خلال المنافذ البحرية والجوية بمصراتة وطرابلس وزوارة”. وطالبت في المقابل، مجلس الأمن والمجتمع الدولي من خلال منظماته الدولية “بلجم دولتي قطر وتركيا للكف عن التدخل في شؤون ليبيا الداخلية والعمل على دعم القوات المسلحة الليبية في حربها على آخر معاقل الإرهاب في طرابلس ورفع حظر التسليح عنها”. وفيما يستمر المحور القطري-التركي في دفع أدواته الوظيفية إلى الهروب إلى الأمام في مسعى للخروج من الورطة التي دخلها، أكد الجيش الليبي أن عملياته لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات والإرهابيين، شارفت على نهايتها. وقال اللواء فوزي المنصوري، قائد غرفة عمليات أجدابيا، إن عملية تطهير العاصمة طرابلس من الميليشيات تسير في صالح الجيش وكما هو مخطط لها، وتوقع في تصريحات صحافية، الانتهاء من تحرير العاصمة قبل شهر رمضان بأيام. وأكد في تصريحاته التي أدلى بها وسط “عين زارة” داخل طرابلس، أن قوات الجيش تتقدم في كافة المحاور…وأن الوصول إلى قلب طرابلس لن يستغرق أكثر من أسبوع أو 10 أيام.
مشاركة :