مكة المكرمة واس شدد المشاركون في ندوة الحج الكبرى، التي نظمتها وزارة الحج واختتمت أعمالها مساء أمس الأول في مكة المكرمة، على أن فقه الأولويات ثابت ومتأصل، ويرتبط ارتباطا وثيقا بفقه الموازنات وبفقه المقاصد الشرعية. وأشار المشاركون إلى أن الفهم الصحيح للشريعة يستلزم معرفة فقه الأولويات وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح إذا تعارضت أو المفاسد إذا اجتمعت، وهو ما طبقه السلف الصالح والأئمة المجتهدون وكبار علماء الإسلام وفقهائه بكل وعي وبصيرة، في جميع أبواب الفقه الإسلامي. وأكدت الندوة، في بيانها الختامي، على أن انضباط ميزان الأولويات في حياة المسلمين في ظروفنا الراهنة بات ضرورة شرعية وحاجة حضارية لإعادة الميزان في كل الجوانب المادية والمعنوية والفكرية والاجتماعية، نظرا لاختلال الموازين الشرعية في حياة كثير من المسلمين اليوم بين ما يقدم من الأحكام وما يؤخر، وبين المهم منها والأهم، وبين الفاضل والمفضول وبين الصالح والأصلح، تبعا لقواعد جلب المصالح ودرء المفاسد، واتباعا لمبدأ التيسير والتخفيف عن العباد. وأوضحت الحاجة إلى تأصيل مفهوم الأولويات، وبيان شروطه وضوابطه وأهميته في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الواجبات، وازدحمت فيه المسؤوليات، لنشر ثقافة فقه الأولويات بين المسلمين، لتكون عونا لهم على أداء عباداتهم وطاعاتهم بوعي وبصيرة وبأمان واطمئنان. ولاحظت الندوة أن فقه الأولويات، في الحج خاصة، قد ازدادت أهميته والحاجة إليه في الوقت الحاضر، نظرا لتزايد أعداد الحجاج واختلاف ثقافاتهم وتباين درجات وعيهم الديني والحضاري. ورأى المشاركون أن تطبيق فقه الأولويات من أعظم ما يسهم في تنظيم أداء شعيرة الحج وتيسير أدائها، مؤكدين أهمية مراعاة فقه الأولويات عند الاجتهاد في مسائل الحج، كما أكدوا على ضرورة أن يكون الاجتهاد فيها موافقا لقواعد الفقه وضوابطه المرعية، ومحققا للمقصود الشرعي من هذه الشعيرة، حماية لأحكام الشريعة من العبث، ومنعا من اتخاذ فقه الأولويات ذريعة للمساس بجوهر الدين وأركانه وأحكامه القطعية الثابتة. وشدد المشاركون، اعتمادا على القواعد والضوابط العامة للشريعة والضوابط الخاصة بتزاحم الأعمال، على ضرورة التخفيف والتقليل من حج النافلة للإنسان نفسه، أو تطوعا عن غيره، حيا كان أو ميتا، إيثاراً لإخوانه، ومساعدة للمسلمين المكلفين الآخرين على أداء حج الفريضة بيسر وأمان، مشيرين إلى أن ترك التطوع بالحج أو تأخيره بنية التوسعة على هؤلاء الحجاج وتخفيف الزحام عنهم هو بحد ذاته قربة إلى الله تعالى. وأشاد المشاركون بجهود المملكة في مشاريع التوسعة في الحرمين الشريفين، والمنجزات في المشاعر المقدسة، موضحين أنها جاءت استجابة للنظر في المقاصد الشرعية والمصالح القطعية والتيسير ورفع العنت والحرج عن المكلفين، ومراعاةً لفقه الأولويات. ودعت الندوة الأمة الإسلامية إلى أن تتفهم ما عمدت إليه حكومة خادم الحرمين الشريفين من تخفيف لأعداد الحجاج والمعتمرين بشكل مؤقت، بسبب المشاريع القائمة لتوسعة المطاف والمسجد الحرام. كما دعت عموم المسلمين إلى الاستجابة لتخفيض النسب والالتزام بأعداد الحجاج والمعتمرين ما دامت هذه المشاريع قائمة تطبيقا لفقه الأولويات. وأوصت المؤسسات الإعلامية والأجهزة الأهلية والحكومية المعنية بالحج بأن تستثمر التقنيات الحديثة في إنتاج برامج توعوية شاملة للحجاج قبل قدومهم إلى الحج، لتعريفهم بالأولويات الشرعية المتعلقة بفريضة الحج. وأكدت على المؤسسات العلمية والمراكز البحثية والمجمعات الفقهية، والتنسيق والتعاون فيما بينها للعناية بفقه الأولويات وتطبيقاته المعاصرة لرفع الحرج عن المسلمين في كثير من الأحكام. كما دعت المؤسسات التعليمية والتربوية إلى إضافة مادة دراسية في المراحل المختلفة، لا سيما في الدراسات العليا، تعنى بفقه الأولويات للمواءمة بين التنظير والتطبيق في جوانب حياة الناس المختلفة.
مشاركة :