دلالات رمزية لطقوس رمضان في معرض فني بالقاهرة

  • 5/27/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يتمتع شهر رمضان في مصر بأجواء مميزة، ترتبط بالعادات الأصيلة والتقاليد المتوارثة عبر مئات السنين. وفي معرض «رمضان جانا» الذي يحتضنه حالياً غاليري «نوت»، بحي الزمالك (وسط القاهرة)، ويستمر حتى 10 يونيو (حزيران) المقبل، يجتمع 36 تشكيلياً يقدمون نحو 50 عملا ًتعكس رؤى فنية جديدة وأفكاراً متنوعة، تتضمن جوانب مختلفة لهذه الطقوس الرمضانية والأجواء التراثية بكل ثرائها. ومن أكثر ما يتميز به المعرض هو تقديم إبداعات تتجاوز الاحتفاء الشكلي برمضان إلى دلالات رمزية ومعانٍ أكثر عمقاً. تقول مها فخر الدين، مديرة الغاليري: «رمضان في مصر له ملامح خاصة، وهي ملامح بطعم الفلكلور والفن والعبق التاريخي، لذلك يجذب الفنانين دائماً للتعبير عنه. ومن هنا، فكرنا في إقامة هذا المعرض الذي يضم مجموعة كبيرة من الأسماء المعروفة في المشهد التشكيلي المصري، فقد حرصنا على أن يكون المشاركون من أجيال ومدارس مختلفة. فمن خلال الأعمال التي يضمها المعرض، نجد أن كل فنان يعبر بخاماته وأدواته المفضلة عن الشهر الكريم». وتلفت فخر الدين إلى تنوع أعمال المعرض بين التصوير الزيتي، والأكريليك، والألوان المائية، إلى جانب أعمال نحتية، و«الإنستليشن أرت» (أو الفن التركيبي)، وأعمال التطريز. أما عن سبب امتداد المعرض إلى ما بعد العيد، فتوضح: «لأنه يتجاوز الطقوس الشكلية إلى البحث عن أسلوب حياة مستمر يحاكي روحانية الشهر الكريم». وحول ارتباط شهر رمضان ببعض الأمكنة العريقة في مصر، تأتي المشاركة اللافتة للفنانة د. أسماء الدسوقي، الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، حيث تجسد عبر لوحتين إلى أي مدى يكون لرمضان سحر خاص في أحياء بعينها في مصر، ومن ذلك حي الحسين، حيث تتناول في لوحة «وكالة بازرعة» التي تعد من أشهر الوكالات الأثرية التي بنيت في مصر في فترة الحكم العثماني. تقول د. أسماء لـ«الشرق الأوسط»: «ما أردت أن أنقله للناس هو أن رمضان لا يعني الامتناع عن الأكل والشرب فقط، إنما هو شهر الخير والعطاء. والأمر نفسه ينطبق على لوحتها الأخرى التي تتناول فيها (وقف رضوان بك) في منطقة الغورية، الذي يعد رمزاً لعطاء الأثرياء». وضمن مجموعة من الأعمال غير التقليدية التي يضمها يأتي عمل فني مركب، مختلف في طرحه وتكنيكه، للفنان باسم خلاف. فعبر خامات الأفلام القديمة والزجاج وقطع غيار السيارات وكاميرات قديمة، يقدم الفنان فكرة الصراع الكامن داخل الإنسان بين الخير والشر، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عند الإبحار في ظروف الحياة، يصبح الإنسان كآلة من الصلب تتكون من عدة أجزاء، لكل منها وظيفة خاصة. وفي شهر رمضان الكريم، يحاول الإنسان التوبة إلى الله. وفي عملي، أجسد الإنسان بهذه الآلة، حيث الرأس مكونة من كاميرا ترصد كل ما هو في حياة الإنسان، وشريط فيلم يرمز إلى الذاكرة، واليد اليمنى يد الخير، توجد بها مسبحة دليلاً على التوبة، واليد اليسرى تترك المعاصي على الأرض». ورغم الروح الطفولية التي تطل علينا من بين تفاصيل لوحة الفنان شريف عبد القادر بالمعرض، فإنها تحمل فكرة رئيسية، وهي أن الاحتفاء برمضان بأجوائه الدافئة يجذب الناس حول العالم، ولا يقتصر على العالم الإسلامي وحده، باعتبارها تنطوي على شحنة روحانية وطاقة عظيمة وفنون فلكلورية مختلفة جاذبة للبشر، باختلاف العقيدة أو الثقافة. فبينما تظهر في اللوحة طفلة صغيرة تحول الطبق الطائر الذي تلهو به إلى فانوس تطير به في الفضاء كأنه «منطاد، وحولها الصغار يشاركونها السعادة والبهجة بقدوم رمضان، فإنك تكتشف أن هذا الفضاء ما هو إلا رمز للعالم كله الذي عليه أن يحترم الآخر». وفي تجربة فنية أخرى مميزة، تستقبلك عند زيارة المعرض الفنانة نيها حتة التي تكتشف أن عملها الفني هو عباءتها اليدوية التي أبدعتها ثم ارتدتها؛ ذلك أنها ترتدي قطعة من الفن مستوحاة من أجواء رمضان، ومطرزة برموز رمضانية، مثل الزينة والمدفع والمسجد والبيوت العتيقة، وفي أحد أركان المعرض قامت بتعليق نموذج آخر منها. ويمكننا أن نرى جانباً من مفردات الفن الإسلامي في لوحة الفنان محمد الطحان، التي تبرز مجموعة من الأشكال الهندسية والرموز الشعبية، إضافة إلى بعض أسماء الله الحسني. يقول الطحاوي: «يزداد شغف المصريين بالفنون الإسلامية، والتزود من طاقتها الروحانية في رمضان. ولعلهم لذلك يحرصون على زيارة الأحياء العتيقة خلال هذا الشهر، حيث المشربيات والمعمار الإسلامي، والمباني الأثرية». وفي السياق ذاته، يشارك الفنان يسري المملوك في المعرض بلوحة يواصل فيها اكتشاف كنوز الخط العربي، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن ارتباط الخط العربي بالأجواء الروحانية يرجع إلى ارتباطه بكتابة الوحي، وتنافس الخطاطين الأوائل في الابتكار والإبداع في أنواع الخطوط العربية المختلفة، وحتى الآن فهو بحر لا ينضب»، ويرى أن لمصر في شهر رمضان مذاقاً خاصاً تتميز به عن بقية الدول، ولذلك ما أروع أن ينعكس هذا على الفن التشكيلي، ومن ثم المتلقي.

مشاركة :