كشفت أنباء عن أن عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، سُمح له بلقاء محاميه، في أول اجتماع من نوعه منذ ثماني سنوات. وفي أول تواصل له منذ انهيار عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني وتركيا عام 2015، أصدر أوجلان بيانا دعا فيه إلى حل تفاوضي للصراع السوري وحث قوات سوريا الديمقراطية على الالتزام بالعمل نحو الوحدة في سوريا. وأهمية هذا البيان لسياسة الولايات المتحدة أنه ارتبط بالأحداث التي وقعت قبل صدوره وبعده مباشرة. ففي الثالث من مايو، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني إن تركيا وقوات سوريا الديمقراطية كانتا تجريان محادثات غير مباشرة. وفي السادس من مايو، بعد ساعات من إعلان بيان أوجلان، ألغى مجلس الانتخابات التركي نتائج انتخابات بلدية إسطنبول، والتي فازت بها المعارضة الرئيسية، وقال إن انتخابات جديدة ستجرى في 23 يونيو. كشف تسلسل الأحداث الروابط بين الصراع في شمال شرق سوريا والنضال من أجل السلام في تركيا. لقد فهمت الحركة الكردية في البلدين هذا على مدى سنوات. الآن، يبدو أن الولايات المتحدة تدرك الأمر وقد تُتاح لها فرصة للتوصل إلى حل يخدم المصالح الأميركية وكذلك مصالح تركيا وسوريا والأكراد. عندما أعلن دونالد ترامب في أوائل ديسمبر الانسحاب المزمع للقوات الأميركية من سوريا، كان الخطر الأكبر المباشر يتمثل في احتمال وقوع هجوم تركي على قوات سوريا الديمقراطية. وفي الوقت الذي حاصرت فيه قوات سوريا الديمقراطية داعش في شهر مارس، هدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “بدفن” المقاتلين المحليين في منبج. في هذه الأثناء تحدث أردوغان عن عودة شمال شرق سوريا إلى “أصحابه الأصليين”. هذا هو نفس التهديد بالتطهير العرقي الذي أصدره قبل أن تغزو تركيا عفرين في شمال غرب سوريا، مما أدى إلى تشريد الأكراد الذين يعيشون في هذه المنطقة.لم يقتصر عداء الأكراد على حدود تركيا. إن أنقرة، التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية امتدادا لحزب العمال الكردستاني، قد نظرت منذ فترة طويلة إلى احتمال الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سوريا على أنه تهديد مباشر. أثناء المعركة على كوباني، عندما احتفظت وحدات حماية الشعب الكردية ببعض المباني في المدينة الحدودية المحاصرة، تقهقر أفراد الجيش التركي في حين كان داعش يتقدم. وقد وصف بريت ماكغورك، مبعوث الولايات المتحدة السابق لدى التحالف المناهض للدولة الإسلامية، باستفاضة كيف دعمت تركيا الجماعات الإسلامية التي تستهدف واشنطن لمجرد أنها قاتلت ضد قوات سوريا الديمقراطية. يدعم معظم الخبراء أحد نهجين لهذه الأزمة. يتمثل الأول في استعادة التحالف الأميركي التركي على حساب القوى الديمقراطية في البلاد. وفي أحسن الأحوال ستكون هذه عودة إلى سياسة فاشلة، وفي أسوأ الأحوال، ستمثل تأييدا لأزمة إنسانية في تركيا وسوريا. وتدعو مجموعة أصغر إلى وجود دائم للولايات المتحدة في سوريا لحماية قوات سوريا الديمقراطية، وإلى إلغاء فرص التعاون مع تركيا. إن أفضل طريقة عمل لواشنطن هي إنجاز عمل دبلوماسي دقيق. وإذا نجحت، فإنها ستنهي إحدى أطول حروب المنطقة. وفي حين أنها فكرة طموحة، لم تعد هذه فكرة جذرية في دوائر السياسة الأميركية كما يعتقد معارضوها. حيث، وجدت مجموعة دراسة سوريا، وهي لجنة من الخبراء تختارها مجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أن “الحل طويل الأجل للتوترات بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية هو إحياء عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني”.يمكن لواشنطن اتخاذ عدة خطوات الآن لجعل هذا حقيقة. تتمثل الخطوة الأولى في جمع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية على الطاولة وهو أمر يجري بالفعل، بحسب مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية. ويظهر التاريخ الحديث أن الجهود المبذولة لتحقيق السلام في تركيا تؤدي مباشرة إلى التعاون مع الأكراد السوريين. فخلال عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني في الفترة من 2013 إلى 2015، قام المسؤولون الأكراد السوريون أنفسهم، بزيارة تركيا لإجراء محادثات. وفي عرض للنوايا الحسنة المتبادلة، قامت وحدات حماية الشعب الكردية والقوات المسلحة التركية بعملية عسكرية مشتركة لاستعادة السيطرة على ضريح سليمان شاه. هذه المرة، يمكن أن يتحرك التعاون في الاتجاه الآخر. يمكن توسيع جهود الولايات المتحدة للتوسط في سوريا، إذا تكللت بالنجاح، لتشمل مناقشة الوضع داخل تركيا. الثقة التي تراكمت من خلال محادثات سوريا قد تسمح للجانبين بقبول هذا الاحتمال. بعد ذلك، يمكن لواشنطن الدعوة إلى رفع العزلة المفروضة على أوجلان. وفي أبسط المستويات، يُطلب من تركيا تنفيذ قوانينها المحلية والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وكلاهما يحظر الحبس الانفرادي لفترات طويلة. أخيرا، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تمكين قوى المجتمع السياسي والمدني داخل تركيا التي عملت على إحلال السلام منذ فترة طويلة. هناك تسعة أعضاء منتخبين في البرلمان من حزب الشعوب الديمقراطي، يقبعون حاليا في السجن، لمجرد أنهم أيدوا المفاوضات. إذا أرادت الولايات المتحدة تشجيع الأكراد والأتراك على البحث عن حل سياسي لمشكلاتهم، فيجب عليها تشجيع تركيا على فتح مجال للسياسة المؤيدة للأكراد. وتمثل الدعوة إلى حرية السجناء خطوة مهمة نحو هذا الهدف.
مشاركة :