دائرة الأمان السعودي تتسع، لتشمل أبعاداً مختلفة ومستويات متعددة في حفظ الأمن وبسط الاستقرار وبث الطمأنينة وتأمين الأنفس والممتلكات، برؤى عصرية تُواكب التحضر المجتمعي، وتأخذ في الاعتبار رفع كفاءة أجهزة الوقاية والحماية والضبط والتصدي بالتشريعات والقوى البشرية عالية التأهيل والتدريب والمعدات والأجهزة والتجهيزات والتقنيات ذات الجودة العالية. الاستمرار في تقديم خدمات أمنية خاصة متميزة، عالية الجودة، يتطلب مزيدًا من الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال برامج تكاملية، لتقديم خدمة الأمن وتأدية المهام بكفاءة واقتدار، من أجل التنافسية الأمنية بتمكين منظومة أمنية فعّالة، تؤدي دورها وفق إستراتيجيات وخطط وبرامج، في منظومة شراكة مجتمعية بين القطاع العسكري الرسمي وشركات القطاع الخاص العاملة في الحقول الأمنية، لصهر الخبرات والقدرات الأمنية في وعاء تشاركي تقوم فيه أنظمة الاستقطاب والتأهيل والتدريب بدور محوري في تأهيل وتدريب الموظفين الأمنيين في المؤسسات والشركات الأمنية الخاصة (السكيورتي)، نظرياً وتطبيقياً، لرفع كفاءتهم المهنية قبل إلحاقهم بالمواقع المكلفين بحمايتها وتأمينها، الأمر الذي يعزز من قدراتهم على تحقيق الأهداف ذات الصلة بالحماية والوقاية والأمن بدرجة عالية من الكفاءة والجودة. اقتصاديات الأمن تُشكِّل معطى هاماً لأساليب وتكلفة التشغيل التي تنطلق بداية من الأمن الاقتصادي التكاملي في تنظيم مهنة الحراسات للقطاع الاقتصادي بقواعد تشريعية، تتبنى صهر قطاع حكومي يضطلع بالحماية والأمن الاقتصادي لكافة المجالات الاقتصادية العامة والخاصة، ذلك القطاع هو قطاع «أمن المنشآت» و»إدارة الأمن الصناعي» بوزارة الداخلية مع شركات ومؤسسات الأمن والحراسة الخاصة في كيان مؤسسي جديد (منظومة الأمن الاقتصادي) لتوحيد التشريعات ورفع كفاءة الأداء وضبط الإنتاجية وتحسين مستوى الجودة والرقابة على الأداء والمتابعة والتقييم والتقويم، وتوظيف وتطوير التقنية الدقيقة في مجال كاميرات المراقبة والاستشعار والرصد والبوابات الإلكترونية وتحويل بعض الخدمات الأمنية الهامة إلى ممارسة تقنية تُنفذ كافة إجراءات الحماية والأمن فيها بمعطيات التقنية البحتة.. هذا التوجه قد يكون خياراً حاضرًا لكن قد يكون ملزماً في القريب العاجل.. وقد يكون بداية لاندماج وحدات أخرى على غرار ذلك. يقتصر الدور الحكومي على الرقابة على الجودة والالتزام بالمعايير المحددة لنوعية ومستوى الخدمة الأمنية، وسنّ وتطوير التشريعات وإجراءات المتابعة والتقييم والتقويم. تعدد الخيارات بعيدًا عن الزمن الحرج يوسع دائرة الخيار في اتخاذ القرار الأكثر رشدًا، لكن في الزمن الحرج تضيق دائرة الاختيار، وقد لا يُتخذ القرار الأصوب. التغير الاجتماعي والتحضر المجتمعي والتنامي الاقتصادي محليًا ودوليًا والحراك الداخلي والنزاع الإقليمي معطيات حرجة لا يمكن تجاوزها دون اتخاذ إجراء ما يدفع باتجاه التطوير وحسابات عصرية تواكب المخاطر العلنية والمستترة في ظل تعاظم التحديات وضبابية المستقبل وصعوبة إدارة الحالات الطارئة والأزمات. يقع العاملون في الشركات والمؤسسات الأمنية الخاصة تحت ضغط نفسي مستمر بسبب خطورة المهام التي يؤدونها وزيادة ساعات العمل وقلة أوقات الراحة الأسبوعية وانخفاض الأجور وضعف أو انعدام الحوافز المادية والمعنوية، وعدم العناية من قِبل تلك الشركات والمؤسسات بالملابس وكماليات الزي الرسمي الخاص بالمهام وتأمين نظافتها على فترات مناسبة خلال الأسبوع، وتدني التأمين الصحي، وتراجع مستوى التأهيل والتدريب وسوء إدارة المشرفين التنفيذيين وغياب النضج القيادي وعدم توفر القضاء التأديبي المنصف.. كل هذه العوامل إضافة إلى البعد الجغرافي وعدم توفير وسائل النقل للعاملين من السكن إلى مقر العمل والتعسف في الإجراءات ضدهم يُعمِّق الشعور بعدم الرضا لدى هذه الفئة، وقد يخفي وراءه نقمة مستترة على المجتمع يمكن أن تظهر في أي لحظة ما لم يتم دراسة وضع هذه الفئة بعناية ومعالجة جوانب المعاناة التي تواجه العاملين في هذه البيئة وتحسين أوضاعهم بما يلائم مستوى المعيشة ومقدار الغلاء في إسعار السلع والخدمات. يُضاف إلى هذا البعد بعدٌ آخر لا يقل عنه أهمية والذي يتمثّل في مقابلة الجمهور والتعامل معهم والسماح لهم بالعبور أو منعهم وما يترتب عليه من أسلوب التخاطب ولغة الحوار وما يترجم عنه من سلوك وممارسة وتحدٍ للسلطة أو قبول بها والتزام، وهذا ما يحكمه طبيعة الموقف والمستوى الفكري للأطراف. ترسَّخ نوعٌ من التوجه العام المغلوط لدى غالبية الناس أن العاملين في الحراسات الأمنية الخاصة هم الأقل حظًا في التعليم أو ممن تعثر دراسيًا وقبل بهذا العمل كبديل حتمي أوحد غير متقبل عند من يعمل في هذه المهنة ولكن حتمًا عليه أن يصبر بانتظار الفرص الأفضل، وهذا أمر مرغوب، ما يصاحبه أن العاملين في الشركات والمؤسسات الأمنية الخاصة هم في واجهة مقابلة الناس ويقابلون المسؤول الذي يُعرف بنفسه ومنصبه وأصحاب الشهادات العليا والقاضي والطبيب والمهندس والإعلامي البارز والرياضي المشهور، هؤلاء عندما يقدمون أنفسهم، فهو أمر طبيعي من وجهة نظرهم يمليه واجب التعريف بالشخص، لكن بالمقابل العاملون في الخدمات الأمنية الخاصة يتلقونه كنوع من الاستعراض وبيان الأهمية التي أحدثت ترسبات سلبية لديهم على هيئة شعور عام بالدونية وسوء الحظ والحرمان من الفرص البديلة الأفضل التي يجزمون بقدرتهم على بلوغها، لكن حالت الظروف وسلبيات المجتمع دون ذلك.. وبالتالي أصبح مكانهم في الوظائف الخدمية الأدنى، صاحبَ ذلك الإحباط وعدم الرضا الوظيفي وتدني الإنتاجية وكثرة المخالفات والغياب والفصل والتنقل بين شركة أمنية وأخرى واستخدام ما يُعتقد أنه يُنسي من الانغماس في الهموم والآلام النفسية والمتاعب الجسدية. هذه السلوكيات والتصورات انعكست سلبًا على حالتهم النفسية والذهنية بجلْد الذات أو الانكفاء عليها في ظل غياب تطوير الذات وتحسين بيئة العمل. تفريغ الشحنات السلبية والخروج من الشعور بمرارة الواقع المعاش يوجه نحو الجمهور الذي يتم التعامل معه بغلظة أو بإظهار حجم السلطات المطلقة المخولة لهم، والاستفزاز أحيانًا بالألفاظ التي تعكس السخط على بيئة ونظام العمل وعلى الثقافة الإدارية السائدة لدى العاملين في الشركات والمؤسسات الأمنية الخاصة. ينتاب في بعض الأحيان أفراد الحراسات الأمنية الخاصة شعورٌ عام بأنهم ليسوا محل تقدير من قِبل الجمهور الذي يتم التعامل معه بنظرة قاتمة يشوبها الحرمان من التنعم مما ينعم به أولئك المتواجدون في المقر الذي يقدمون الخدمة الأمنية الخاصة فيه أو الجمهور الذي يتم التعامل معه.. في حين أن هذا الشعور السلبي يجانب الحقيقة، فجميع العاملين في مجال الحراسات الأمنية الخاصة محل احترام وتقدير من قبل مختلف أطياف المجتمع، والكل يثمِّن الجهود التي يبذلونها في توفير الحماية والأمان لهم ولأسرهم وذويهم، ويدركون حجم المخاطر التي يتعرضون لها وتُشكّل تهديداً لحياتهم والمصاعب التي يتلقونها أثناء تأديتهم لواجبات الوظائف الخطرة التي تسند إليهم، وأنهم يقومون بها باقتدار مع علم الجمهور بضيق الحال المادي الذي يعيشونه في ظل انخفاض أجورهم وغياب الحوافز المادية والمعنوية مقابل المهام الجسيمة التي تسند اليهم مع المطالبة بتأديتها بدقة ودرجة عالية من المهارة والكفاءة التي تحققها مرهون ببرامج تأهيل وتدريب احترافي مستمر لا تتوفر لهم. التمكين والإعداد القيادي لقادة الفرق الميدانية في مجال الأمن الخاص متغير جوهري في رفع مستوى الأداء والممارسة المهنية الواعية لحساسية المهام المطلوبة لمهارات التعامل مع الناس. تحسين بيئة العمل من الجوانب الهامة في خلق مناخ وظيفي محفز يستثير الطاقات ويُوحد الجهود ويستنهض الهمم ويشيع التعاون والعمل بروح الفريق، ويحد من الصراع التنظيمي والوظيفي، ويوجه التنظيم غير الرسمي نحو الهدف الرئيس. الرؤية السعودية التي تتبناها القيادة الجديدة الطموحة تتجه وبقوة لتوظيف كافة فنون التقنية لإحداث نقلة نوعية على مختلف الأصعدة ضمن أولويات محددة يأتي في مقدمتها اقتصاديات الأمن التي يتحقق الأمن الاقتصادي الشامل طبقًا لقواعدها ووفقًا لاقتصاديات التشغيل الكامل. الاندماج بين الكيانات ذات الأنشطة المتماثلة يعطي القوة التشغيلية الكاملة للمدخلات والجودة الأعلى والميزة التنافسية العالية في مجال تقديم خدمة الأمن وبسط الاستقرار، تلك الميزة التنافسية العالمية والقيمة المضافة الفريدة للمملكة العربية السعودية التي لها أن تدخل مجال هذا الاستثمار بكل قوة وثقة.. دراسة واقع الشركات والمؤسسات الأمنية الخاصة ورفع أجور العاملين فيها وتفعيل نظام الحوافز التي تحقق مفهوم الجودة والكفاءة الإنتاجية لتطوير أدائها ورفع مستوى كفاءتها، لا تحتمل التأخير مع التحول بالتشغيل الحكومي للأمن الاقتصادي إلى الشراكة مع القطاع الخاص والاندماج بين الكيانات الحكومية والخاصة في مجال الأمن الاقتصادي في كيان مؤسسي موحد للأمن الاقتصادي يُؤصِّل لاقتصاديات الأمن في المجال الاقتصادي والميزة التنافسية العالية للأمان السعودي في المنظومة الدولية.
مشاركة :