ابن الديرة من مضحكات الزمن الأخير اثنتان: السياسة الإيرانية وطريقة تعبير هذه السياسة عن نفسها. التجلي الأخير لسياسة إيران الخارجية الغرائبية دعوة طهران دول الخليج إلى التوقيع على اتفاقية عدم اعتداء بين الطرفين، حيث تحاول إيران «الجريحة» عبر هذه الدعوة القفز على التجربة والتاريخ والواقع الراهن معاً، نحو ادعاء ما لم تمتلكه إيران يوماً وما لم يكن وما لا يكون. الاعتداء حاصل بالفعل من طرف واحد هو الطرف الإيراني لا عبر الاعتداءات الأخيرة مباشرة أو عبر ميليشيات الحوثي الإيرانية الإرهابية، وإنما عبر ممارسات نظام الولي الفقيه منذ أول عهده، وأولها استمرار احتلال جزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. حدث العاقل بما لا يليق فإن صدقك فلا عقل له، وحدث العاقل باعتداءات خليجية على إيران فإن صدقك فلا عقل له، لكن وجب، إلى ذلك توضيح المقصود بمصطلح «الخليج» لدى إيران. المقصود إنما المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات حصراً، وليس في رأس النظام الإيراني إلا وهم من يطلق الكذبة ثم يصدقها، أما الحقيقة فإن هذا النظام قائم، في الأصل، على فكرة تصدير «الثورة»، والتدخل في شؤون الغير، والأطماع التوسعية مشتملة على الهدف المعلن المتمثل في مد النفوذ، وبعد ذلك فإن الغاية تبرر الوسيلة، ولا بأس في أن يكون الثمن باهظاً، ولا بأس إذا حوصر الأبرياء بأنهار الدم والفتنة. هذه هي إيران وهذا هو أسلوبها بين النظر والفعل، ولقد أصبحت مكشوفة ومنكشفة أمام العالم بقدر ادعائها المظلومية، وخلاصة المسألة أنها تسمح لنفسها بكل هذا الظلم وتلك التجاوزات، وفي الدقيقة الأخيرة قبل «لحظة التنوير» تنسف المسرح على كل من فيه، وليس من بعد إلا عتمة السياسات الملتوية بين كل موقف مريب وتكتيك صغير، وليس إلا الهروب إلى الأمام فيما تذهب السعودية وشقيقتها الإمارات إلى الأمام أشواطاً بعيدة في عمر التنمية والتقدم. ذلك ما تنطوي عليه الدعوة الملغومة التي أطلقها «ظريف» «الخارجية» الإيرانية، مفترضاً جهل المنطقة والعالم بإيران وأفكارها ومخططاتها، ومؤكداً، من حيث لم يرد، وهو الجاهل الغافل، جهل وغفلة بلد مهترئ من الداخل، ومعزول خارجياً، ويعاني شروراً مستطيرة وأدواء مزمنة على رأسها الشعور المتعاظم بالعظمة. ebnaldeera@gmail.com
مشاركة :