أكد محللون سياسيون أميركيون أن العلاقات بين بلادهم وتركيا وصلت إلى أسوأ مراحلها على الإطلاق بسبب الخلافات القائمة بين البلدين بشأن العديد من الملفات، مُشددين على أنه لا يوجد في الأفق أي مؤشراتٍ على إمكانية حدوث تحسن على هذا الصعيد في أي وقتٍ قريب. وقال المحللون إن من بين العقبات الكأداء التي تجعل من العسير للغاية عودة العلاقات الأميركية التركية إلى سابق عهدها؛ السياسات التي يتخذها نظام الرئيس رجب طيب أردوغان سواء حيال الملف السوري، أو إزاء مسألة التقارب مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. وفي مقالٍ نشرته صحيفة «ذا هيل» الأميركية ذات التوجهات المحافظة، أشار المحلل السياسي البارز إيلان بِرمان إلى أن استبعاده «تبدل حالة التردي الحالية في العلاقات بين البلدين، يعود إلى أنه ليس لدى المسؤولين الأميركيين أو الأتراك، أي فكرة حول كيفية استئناف العلاقات الثنائية بوتيرتها السابقة، في غياب أي تغيرٍ جوهريٍ في السياسات من جانب واشنطن أو أنقرة» قائلاً إن الجانبين «يبدوان وكأنهما ينجرفان بشكلٍ أبعد عن بعضهما بعضاً» بمرور الوقت. وأوضح بِرمان -وهو نائب رئيس مركز «السياسة الخارجية الأميركية» للدراسات الذي يتخذ من واشنطن مقراً له- أن الولايات المتحدة «تضمر في الوقت الحاضر الكثير من الشكوك العميقة في نوايا تركيا على الساحة الإقليمية»، قائلاً إن المثال الأوضح على ذلك، يتمثل في تراجع إدارة الرئيس دونالد ترامب جزئياً عن قرارها السابق بسحب العسكريين الأميركيين من سوريا. وأشار المحلل المخضرم -الذي يقدم المشورة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي آيه) ووزارة الدفاع (البنتاجون)- إلى أن هذا التراجع يعود لخشية البيت الأبيض، من أن «تستغل الحكومة التركية الغياب الأميركي عن الساحة الميدانية في سوريا لشن حملة قمعٍ واسعةٍ ضد الأكراد السوريين». يُضاف إلى ذلك بحسب المقال؛ الخلاف المتفاقم بين واشنطن وأنقرة بسبب إصرار نظام أردوغان على إتمام صفقة شراء منظومة «إس 400» الروسية المتطورة للدفاع الصاروخي، على الرغم من الرفض الصريح لذلك من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تشغل تركيا عضويته. وأشار بِرمان إلى أن الأوساط السياسية والعسكرية في العاصمة الأميركية، تنظر إلى الصفقة التركية الروسية المحتملة في هذا الشأن، على أنها «اختبارٌ لالتزامات أنقرة الأوسع نطاقاً حيال الغرب»، مُضيفاً بالقول إن ذلك هو ما دفع عدداً من أعضاء الكونجرس، إلى طرح مشروع قرارٍ من شأنه حرمان تركيا من شراء مقاتلات إف-35 المتطورة، إذا ما اشترت منظومة «إس 400». وبالإضافة إلى هذين الأمريْن؛ تشكل «المسألة الكردية»، واحتماء رجل الدين التركي المعارض فتح الله غولن بالولايات المتحدة التي ترفض تسليمه إلى النظام التركي، سببين إضافيين للتوتر المتصاعد في العلاقات بين البلدين، حسبما يقول المحلل السياسي الأميركي، الذي أبرز -بالنسبة للملف الأول- المعارضة الشديدة التي تبديها أنقرة لأي إجراءاتٍ يتخذها الأكراد السوريون على طريق نيل مزيدٍ من صلاحيات الحكم الذاتي. وقال إن نظام أردوغان يشعر بالقلق من أي تَبِعات عمليةٍ أو سياسيةٍ تترتب على تنامي الوضع المستقل للأكراد في سوريا، وتؤثر بالتبعية على أوضاع الأقلية الكردية في جنوب شرقي تركيا، مُشيراً إلى أن مخاوف أنقرة في هذا الصدد، تتفاقم بفعل الدور المحوري الذي يضطلع به المسلحون الأكراد، على صعيد محاربة المسلحين المتشددين في الأراضي السورية، من خلال ما يُعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، وهو ما أكسبهم اعترافاً دولياً لا يُستهان به. وشدد بِرمان على أن تلك المخاوف جعلت النظام التركي يتخذ موقفاً معارضاً من السياسات الأميركية التي تقوم على استخدام الميليشيات الكردية لمحاربة المتطرفين، وهو الأمر الذي اعتمدته الولايات المتحدة في عهد رئيسها السابق باراك أوباما، منذ بدأت إمداد وحدات حماية الشعب الكردية بالأسلحة، وهي الوحدات التي تعتبر أنقرة أنها ذات صلاتٍ وثيقةٍ بحزب العمال الكردستاني، المُصنف إرهابياً في تركيا. وقال المحلل السياسي الأميركي المعروف إنه بالرغم من أن ترامب حاول تهدئة خواطر الأتراك عبر تعهده بوقف إمداد وحدات الشعب بالأسلحة وتأكيده على أن بلاده ستسحب السلاح الذي قدمته للمسلحين الأكراد فور انتهاء الصراع الراهن في سوريا، فإن ذلك لم يُقابل بتصديق من جانب الرأي العام التركي، الذي يعتبر «السياسات الأميركية لمحاربة الإرهاب مناوئةً ولو جزئياً لمقتضيات الأمن القومي لبلاده». وتطرق المقال -الذي حمل عنوان «لماذا لن تتحسن العلاقات الأميركية التركية»- إلى الخلاف القائم بين الجانبين، بشأن فتح الله غولن؛ الذي يلقي عليه أردوغان باللائمة في الانقلاب الفاشل الذي استهدف نظامه في صيف عام 2016، وأطلق منذ ذلك الوقت حملة قمع شعواء طالت آلافاً من الموظفين الحكوميين وأكثر من 20 ألف معلم وأكاديمي، تم فصلهم جميعاً من أعمالهم. وأشار الكاتب إلى أن الرفض الأميركي المستمر لتسليم غولن إلى أنقرة، رغم الضغوط التي تمارسها حكومة أردوغان في هذا الشأن، يثير استياء أنصار الرئيس التركي وكذلك الأتراك من أصحاب التوجهات القومية المتشددة. وبحسب المقال، تشكل كل جوانب الخلاف السابقة «أعراضاً لاختلافٍ استراتيجيٍ ذي طابعٍ جوهريٍ على نحوٍ أوسع نطاقاً» بين الدولتين، وهو ما عزاه إلى غياب عدوٍ مشتركٍ يمكن أن تتوحد جهود الولايات المتحدة وتركيا ضده، كما كان الحال عليه مع الاتحاد السوفييتي الذي مثل خصماً للجانبين طيلة فترة الحرب الباردة، التي استمرت أكثر من أربعة عقود. وقال إن عدم وجود مثل هذا الخصم، جعل العلاقات الأميركية التركية تتسم في الفترة الحالية بالافتقار إلى الثقة من جهة، وبالاختلاف الاستراتيجي في النظر إلى الملفات الأبرز على الساحة الدولية من جهةٍ أخرى.
مشاركة :