دعائم النجاح (23): اقطعه قبل أن يقطعك

  • 5/29/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

- أنت في صراع دائم بينك وبين هذا الحامل للسيف، فإن أردت النجاح والنجاة فعليك أن تكون متيقظاً بسيفك لتقطعه قبل أن يقطعك، لا تدعه يتفلت من بين يديك فتندم حيث لا ينفع الندم، إنه عمرك وهذا القاطع لعمرك هو الوقت. لقد أقسم الله تعالى به فقال بسم الله الرحمن الرحيم: «والْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر» (العصر 1-3). فالكل خاسر إلا «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر» (العصر 3)، فالإيمان بالله والعمل الصالح والصبر على ذلك هو المخرج من دائرة الخسران إلى دائرة المكسب والنجاح والنجاة. ولذلك يتفق العقلاء من بني البشر على أن الوقت وعاء الأحداث الحياتية، وأن الوقت هو الحياة، ولكن قل من يتنبه إلى استغلال الوقت وتنظيمه للحصول على أقصى استفادة ممكنة من هذا العطاء الرباني المتميز. (إدارة الوقت وحفظ الزمان، عبدالله علي الشريان (ص230) ) - قال الشاعر (ابن هبيرة): الوقت أنفس ما عُنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع وقال الشاعر: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني - وقد أرشدنا الله تعالى في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الوقت والتوقيت في حياتنا وأعمالنا فرسم لنا الأحكام الشرعية، وحدد لنا أوقاتها ومواعيد أدائها، وحذرنا من التساهل والتجاوز عن وقتها، وفي ذلك تعليم وتربية لنا على تنظيم الأعمال والقيام بها في مواقيتها المحددة قال تعالى: «إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ». (النساء 130) (أي في أوقات محددة). -وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) (رواه البخاري ومسلم). - وأقسم الله تعالى بالفجر والليل والنهار والضحى والعصر والعمر. - قال تعالى: «وَالْفَجْر، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْر» ( الفجر 1-5). - وقال تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا» (الشمس 1-4). - وقال تعالى: «وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى» (الضحى 1-2). - وعندما تعلم المسلمون من دينهم أهمية الوقت وفن إدارته، حققوا الإنجازات الخارقة في أيام معدودة، ونشروا الدين في سنوات قليلة، وقد حثهم رسول الله عليه الصلاة والسلام على ذلك وعلمهم له بقوله (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) متفق عليه. - وكان صلى الله عليه وسلم يجتهد طوال النهار ويبلغ الدعوة، ولقاء الوفود وتعليم أصحابه، ورد الشبهات عن الإسلام، وزيارة المرضى واتباع الجنائز، والصلاة على الموتى ودفنهم، والجلوس مع أصحابه ومع زوجاته، ومتابعة الأسواق، وإقامة الصلوات، وملاحظة المزروعات ويتابع الوحي وكتابة القرآن، ويرشد أمراء الجيوش، ويقودها، ويكتب إلى الملوك والحكام، ويلاطف الصغير والكبير والرجال والنساء، وأثمر كل ذلك مدرسة إسلامية متميزة، خرجت عظماء العالم من المسلمين الذين حملوا الدين، وحافظوا عليه، وجمعوا القرآن الكريم، ووحدوا طبعته في المصحف العثماني وجاهدوا، وفتحوا البلدان والقلوب، وشيدوا حضارة إسلامية علمية خلقية متميزة في سنوات معدودة، فلم تضيع لحيظة في غير المفيد، ولم يترك لحظة من دون فائدة، فكان صلى الله عليه وسلم أسوة المسلمين في إدارة الوقت، وأنموذجاً يحتذى في تنظيم الوقت وحفظ الزمان والعمر صلى الله عليه وسلم، وقطع الوقت وسابقة، ولم يترك له فرصة يقطعه، من هنا كان حفظ الوقت وتنظيمه من أهم دعائم بناء الشخصية الإسلامية ونجاحها ونجاتها في الدنيا والآخرة (انظر بناء الشخصية الإسلامية في السيرة النبوية، نظمي خليل أبو العطا موسى (ص139). - فكان المسلم الملتزم بالهدي النبوي في حفظ الوقت وحسن إدارته غير مغبون في وقته وعمره، لأنه يعلم أنه مسؤول أمام الله تعالى عن عمره فيم أفناه كما ورد في الحديث الصحيح (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. - لذلك نرى المسلم حريصاً على وقته يستيقظ قبل الفجر، ويصلي الفجر ويتريض في الصباح الباكر، ويذهب إلى عمله مبكراً، ولا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، ولا عمل الصباح إلى الليل، وينظم وقته على الصلوات الخمس، ويحرص على استثمار وقته وعمره وطاقته وقدراته في النافع المفيد ولذلك بنى المسلمون حضارتهم الفريدة في التاريخ الإنساني. ومن يطلع على مؤلفات وإنجازات المسلمين يجد هذا الأمر واضحاً جلياً. وعندما تخلينا عن التربية الإسلامية في إدارة الوقت وقطعه في الصالح والمفيد، وصرفنا وقتاً طويلاً في اللهو ومشاهدة المسلسلات والبرامج اللاهية تخلفنا واستخف بنا عدونا، وقسمت ديارنا وزرعت الفتنة بيننا. - إن أردت النجاح والنجاة عليك بتفعيل دعامة حسن إدارة الوقت وإنفاقه في المفيد من تحصيل العلم النافع وتعلم المفيد لك في حياتك العملية حتى نعيد مجدنا الذي ضاع وقطعنا الوقت ولم نقطعه بحسن إدارته. (وللحديث بقية بإذن الله).

مشاركة :