- الإصلاح من دعائم النجاح للفرد والمجتمع، فما هو الإصلاح؟! - قال ابن منظور في لسان العرب: الإصلاح نقيض الفساد، وأصلح الشيء بعد فساده: أقامه. وأصلح الدابة: أحسن إليها فصلحت، والصلح: تصالح القوم بينهم، والصلاح: السلم، وقد اصطلحوا وصالحوا وتصالحوا وأصلحوا وأصّلحوا مشدودة الصاد، وقوم متلُوح: متصالحون، والإصلاح مأخوذ من الصلح وهو عقد يرفع النزاع وهو بمعنى المصالحة وأصله من الصلاح وهو ضد الفساد ومعناه دالٌّ على حُسنه الذاتي، وكم من فساد انقلب به إلى الصلاح بحُسنه ولهذا أمر الله تعالى به عند حصول الفساد والفتن بقوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا) (الحجرات 9)، وجميع أنواع الصلح حسنة لأن فيه إطفاء الثائرة بين الناس ورفع المنازعات عنهم (موسوعة نضرة النعيم (ص 364). - وقد ورد الإصلاح في القرآن الكريم في مواقع متعددة منه (وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخلُفنِي فِي قَومِي وَأَصلِح وَلا تَتَّبِع سَبِيلَ المُفسِدِينَ) (الأعراف 142). وهو هنا بمعنى الرفق. وقال تعالى: (قَالَ يَا قَومِ أَرَأَيتُم إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنهُ رِزقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلَى مَا أَنهَاكُم عَنهُ إِن أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا استَطَعْتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ) (هود 88). وقال تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرضِ بَعدَ إصلاحهَا) (الأعراف 85). - فالله تعالى خلق الأرض طيعة مذللة سهلة، وبارك فيها بكل أنواع النعم من الإنسان، والحيوان، والنبات، والكائنات الحية الدقيقة وانتظامها في النمو والإنتاج والتسخير، وخلق الجمادات الصالحة للإنشاء والاستغلال وخلق الأرض الزراعية وما تحتويه من كائنات حية بكتيرية وفطرية ونبات وحيوان وأحياها بالماء وجعلها قابلة للزراعة والإنتاج، وأنزل الشرائع لتنظيم العلاقات بين المخلوقات الأرضية وبذلك أصلحها ماديًا وخلقيًا وذللها وألقى فيها رواسي حتى لا تضطرب عند دورانها، وأمدها بضوء الشمس وحرارتها، وخلق مفاعلات حية نباتية قادرة على تثبيت الطاقة الشمسية الضوئية وتحويلها إلى طاقة كيماوية بالبناء الضوئي قابلة للاستغلال وإطلاق طاقتها، وعلم الإنسان كيف يعمر الأرض ويستغل ما فيها من نعم، ووهبه العقل المبدع والعلم والبحث العلمي ليستغل هذه النعم بالقدر المحافظ عليها وتنميتها التنمية المستدامة، وحرم وجرَّم الإفساد في الأرض بالأخلاق الفاسدة والاستغلال الخاطئ لخيراتها واحتكاره مصداقًا لقوله تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرضِ بَعدَ إصلاحهَا) (الأعراف 85). - وشرع للعلاقة بين بني البشر بالعدل والإحسان، ونظم العلاقة بين الإنسان والحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة، وشرع للحيوان حقه وللنبات حقه وللكائنات الحية الدقيقة حقها. - وعندما سار الإنسان على منهاج الإصلاح الإلهي صلحت الأرض، ولما حاد عن المنهاج الرباني فسدت الأرض واختل توازنها وتهدرت الكائنات الحية عليها بالمرض والانقراض، ومن هنا كان الإصلاح من دعائم النجاح للفرد والمجتمع في الحياة الدنيا والفوز برضى الله تعالى والجنة في الآخرة. وقال تعالى: (إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُم نَصِيرًا، إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصلَحُوا وَاعتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخلَصُوا دِينَهُم لِلَّهِ فَأُولئك مَعَ المُؤمِنِينَ وَسَوفَ يُؤتِ اللَّهُ المُؤمِنِينَ أَجرًا عَظِيمًا ) (النساء 145-146). - وقال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى 40). - قال الطبري في فضل الإصلاح في قوله تعالى: (أَو إصلاح بَينَ النَّاسِ) (النساء 114)، قال هو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليرجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به (تفسير الطبري). - ومن فوائد الإصلاح كما ورد في موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (ص 377). - الإصلاح بين المؤمنين إذا تنازعوا واجب لا بد منه لتستقيم حياة المجتمع ويتجه نحو العمل المستمر. - يثمر المغفرة للمتخاصمين عند المصالحة. (انتهى). - من هنا كان الإصلاح بين الناس وفي الأرض من دعائم النجاح للفرد والمجتمع والأمة والناس أجمعين وهو من دلائل القوة والصحة النفسية والهمم العالية والتربية الخلقية السليمة. من هنا كان قول الله تعالى: (وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت) قاعدة كلية في الإصلاح والبعد عن الفساد، والقاعدة الثانية (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ) (الحجرات 10). - فإن أردت أخي المسلم أن تكون من الناجحين المرحومين فعليك بالإصلاح في حياتك وحياة أبنائك ومن هم تحت رعايتك، (وللحديث بقية بإذن الله).
مشاركة :