كنت في بيروت ولا شيء عندي أعمله غير القراءة. بين ما قرأت أعداداً من مجلة «شعر» واخترت من بعض أعدادها للقارئ شعراً أرجو أن ينال رضاه. أنسي الحاج قال: رجل اسمه حافظ / علقوا عليه الآمال / فوقعت / فرّ من آمالهم / عبر باب الخدّامين / أبصرته امرأة واقفة / تحت ثيابها العالية / على الشرفة الشفافة / وفي فكرها طفل / تحبل به وتنجبه من مغامر / فحملت طفلها إلى الرجل / الذي اسمه حافظ / من شرفتها نزلت إليه / الذي هرب من باب الخدّامين / قالت له سيعرفون / أنك أنت والده / يا حافظ أيها الجذاب الفاشل. العدد الذي اخترت منه السطور السابقة صدر سنة ١٩٦٨، أي قبل سنتين من تسلم الرئيس حافظ الأسد الحكم في سورية، ومعنى هذا أن الاسم حافظ في قصيدة أنسي الحاج لشخص وهمي. في عدد آخر من سنة ١٩٦٨ وجدت عدداً من قصائد محمود درويش، الصديق العزيز الراحل. واخترت للقراء من قصيدة «إلى امرأة» التالي: قلنا هو أنا كالشجر / وكالمطر / وكالقمر / كان جميلاً وانتهى / وكيف لا / وفي الخريف يذبل الشجر/ كان وفيراً وانتهى / وكيف لا / وفي أواخر الشتاء يسأم المطر / كان وسيماً وانتهى / وعندما نجوع لا يطعمنا القمر في قصيدة «يا بلادي» يقول محمود درويش: أنا في ترابك يا بلادي نفحة الأرض الفتية أنا في جروح التين والزيتون دمعات شقية أنا في عروقك في جذورك رعشة الدفء الفتية أنا في البيادر لا أزال وفي الحقول العسجدية أنا في سفوحك في صخورك في روابيك العلية فعلام حين كبرت لم تكبر سوى المأساة فيّه وعلام ردتني أيادي الليل في أرض قصيّة وهنا جذوري في ترابك سرمدية وهنا جذوري كيف تقلعها أيادٍ أجنبية وأكمل بقصيدة عنوانها «شارع الأضواء» وهي: يا شارع الأضواء ما لون السماء وعلام يرفض هؤلاء والساق فوق الساق ما جدوى البكاء بل أي عاصفة يفتتها البكاء فتبسمي يا طفلتي حتى يصير الماء ماء وتحجّري يا خطوتي هذا المساء تذر أسلحة سعير الكبرياء في العدد نفسه من سنة ١٩٦٨ كانت هناك قصيدة لسميح القاسم عنوانها: «استحيت أن أسهر» وأختار مطلعها: أنا ابن الشمس والأحجار والموجة أنا ابن الساعد المفتول والكوكب والضجة ومن علمك الثورة؟ / عسف القيد ومن ألهمك الصياح؟ / فجر الغد وما ماضيك؟ / غار الوحي والتكبير والدعوة وسيف الله والرومان والفرس وبسم الله والتوراة طبعاً لا أنسى يوسف الخال، المدير المسؤول لمجلة «شعر»، وقد قرأت له قصيدة عنوانها «ميلاد ١٩٦٨» أختار منها: والآن حفاة نحن / عراة نحن / ونحن جياع يا سيّد / هل تبصر نجماً / تسمع صوتاً / في هذا الليل الأسود / نسرع بسيفنا وعد / نحو المذود / ويقبل هيرودس كل الأطفال / هيرودس مات / حقاً مات / أما الأطفال وإن ماتوا / يحيون مع الأطفال / في اليوم الثالث يحيون مع الأطفال / في ملكوت الأجيال كنت أشتري مجلة «شعر» وقد ودعت المراهقة، ثم اشتريت مجموعة أعدادها، وقرأتها مرة ثانية أو ثالثة في الأيام الماضية، وما سبق هو ما اخترت لقرّاء «الحياة» اليوم.
مشاركة :