نرجو آملين ألا تغطي قرقعة طبول الأحداث المحيطة ببلادنا على تظلم المزارع الكويتي وصيحته التي أطلقها مؤخرا في باحة «سوق الخضار».. صرخة احتجاج مدوية أدت به إلى توزيع كل ما أنتجه من محصول زراعي مدة أشهر طوال على الحاضرين في السوق أو على من كان حاضرا في السوق من زواره بعد أن خاب أمله في جدية عمله الزراعي الذي يستنزف منه الوقت والمال والجهد وفي الأخير يخرج من كل ذلك صفر اليدين. سيطرة البعض واحتكارهم لسوق الخضار وفرضهم الأسعار التي يريدونها أمور يعرفها معظم المشرفين على هذا الحقل، أضف إلى ذلك زحمة الانتاج المستورد الخارجي الذي يغطي السوق بأنواع وأشكال كثيرة مختلفة وبأسعار متفاوتة متدنية مختلفة من بلد إلى آخر، وفي مجملها تقع في دائرة الأسعار الأقل كلفة من قيمة الانتاج الزراعي الكويتي. وهذه نقطة مهمة جدا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار: ان الفلاح الخارجي لا يتكلف ما يتكلفه المزارع الكويتي في زراعته لمحاصيله الزراعية، فهو في غنى عن آلات التبريد وآلات التدفئة غالية الثمن التي يحتاج إليها المزارع الكويتي لحماية زراعته من التلف، سواء في فصل الصيف، الذي تبلغ فيه درجة الحرارة 50 أو أكثر احياناً والتي لا محال تحرق كل ما هو مكشوف أمامها من زرع، وكذلك الحال بالنسبة إلى فصل الشتاء الذي تصل به درجة البرودة إلى التجمد. التقلبات المناخية تكلف المزارع الكويتي الكثير، وهو ما لا يعانيه الفلاح الاجنبي الذي بلاده تتمتع بأجواء طبيعية وأرض صالحة للزراعة. هذا من جانب، ومن جانب آخر وهو الأهم، ان الكويت بلاد كما هو معروف عنها جغرافيا محاطة بأجواء تتنازع حولها مصالح الدول الكبرى، ولذا فإن احتمال وجود القلاقل والمشادات والظروف الحرجة وارد، وقد يؤدي ذلك إلى قطع سبل الإمدادات الغذائية عن الكويت، وفي هذه الحالة لا بد لها الحاجة إلى ما تنتجه بلادها من محاصيل زراعية قد تسد حاجة سكانها ولو لمدة الأزمات التي نأمل ألا تطول.. وهذا ما يسمى بـ «الأمن الغذائي». «الأمن الغذائي» هدف تتسابق شعوب الدنيا بأجمعها على تحقيقه في بلادها، لأنه لا يقل عن «الأمن العسكري»، وما تقوم به وعلى سبيل المثال جمهورية (غينيا بيساو) بشأن مادة الأرز هي الوجبة الاساسية لشعبها، ولذا فإنها تبذل قصارى جهدها لتوفير كل ما يحتاج إليه المزارع الغيني من دعم ومساعدة لحثه على العمل الجاد والاستمرار في إنتاج الأرز الذي يسد حاجة البلاد من دون اللجوء إلى استيراده من الخارج، وكذلك المملكة المغربية التي تهتم بدعم الفلاح المغربي دعماً مادياً ومعنويا، فهي تعفي الفلاح من الضرائب والرسوم وكذلك تتولى تسويق انتاجه بالأسعار التي يرضاها بالإضافة إلى توفير كل متطلبات الزراعة من بيطرة وبذور ودعم صحي للحيوانات. أما ما يعانيه المزارع الكويتي هنا الذي فرضت عليه رسوم كبيرة مقابل تأجير أرض آبائه وأجداده له ليخدم عليها لمصلحة الوطن والمواطنين أرهقته الجهات المسؤولة في الدولة برسوم تأجير الحيازات من 100 إلى 600 في المئة تقريباً، كما أنها لم توفر له في العبدلي على سبيل المثال حتى الآن مستشفيات للبيطرة ولا مراكز للزراعة معتمدة على ما تقدمه هيئة الزراعة بواسطة ممثليها هناك. محمد سالم البلهان* * سفير سابق
مشاركة :