وجه الفن القبيح!

  • 3/30/2015
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

تتسمر أعيننا ونعيش بكل حواسنا أمام لوحات كبار فناني القرون الماضية، عندما تتاح لنا الفرصة، ونسبح في عظمة ما برعت أناملهم في تشكيله، ولا نفكر فيمن جسد هذه اللوحات من أشخاص يمثلون حياة الترف، أو قساوسة عليهم مسوح الدين، أو فتيات جمالهن يكاد ينطق بقصص حب خالدة، انتصر فيها الجمال على القوة والجبروت! فهل فعلا هم كما يظهرون في الصورة؟ في الواقع هم مجرد أدوات يشكلهم الفنان حسب رؤيته، فهو لا يرى منهم سوى لحم وعظم، فتجدهم يُحولون عجوزا مريضا مثل "جورج وايت" لا يكاد يغادر مستشفى الحميات بلحيته الكثة وكتفيه العريضتين، نتيجة عمله في مد ألواح الرصف إلى بطريرك أو قديس، وامرأة لعوب تصور على أنها إحدى بطلات قصص الحب العظيمة، ومقاتلو الشوارع يتحولون إلى نبلاء وفرسان! هؤلاء الأشخاص يمتهنون إحدى أسوأ المهن في التاريخ، التي نشأت مع نهاية القرن الثامن عشر، بسبب حاجة البريطانيين إلى تطوير فنهم والوصول به إلى مستوى الفن الإغريقي الخالد، بتماثيله وعظمة رسومه! قد تبدو هذه المهنة في ظاهرها سهلة، فكل ما هو مطلوب منك أن تجلس أمام الرسام أو النحات دون أن تجهد مخك بالتفكير، أو تقوم بأي جهد أو حتى حركة بسيطة! لكنها في باطنها تحتوي على أعلى درجات الاستعباد والمهانة للعارضة أو العارض، الذي يجلس عاريا أمام الدارسين ليصوروه. ليس هذا فحسب، بل قد تتطلب ثبات العارض على وضعية معينة لفترات طويلة، لذا يتم تقييد أرجلهم وأيديهم بحبال تتدلى من السقف، فتتخدر أعضاؤهم، وقد يشعرون بالبرد فلا يستطيعون حتى ضم أيديهم للتدفئة، بل بلغ بالبعض عدم السماح لهم بقضاء حاجتهم الطبيعية! كما قد يصبحون فرجة لغير المتخصصين، فيحضرون لمشاهدتهم علنا، أو خلسة كما كان يفعل أمير ويلز، الذي كان يدفع رسوما لحضور الصفوف في الأكاديمية الملكية! وقد يُطلب منهم أداء مهمات خاصة للطلاب، تتطلب الوقوف لساعات، أو كما حدث للعارض "ويلسون" الذي كاد أن يلقى حتفه عندما غطاه الفنان "هادن" بالجبس بالكامل، دون أن يترك له منفذا يتنفس من خلاله! لقد دفعتهم ظروفهم البائسة إلى امتهان هذا العمل المضني المتلف للأعصاب، فمعظمهم مرضى أو مشردون، أو من مقاتلي الشوارع، والمومسات، فتزداد أعمالهم سوءا على سوء، فكل ما يقومون به في هذه الجلسات مهين، والأمَرُّ من ذلك أنه موثق! والفنانون ليسوا وحدهم من يستخدم أجساد البشر كوسيلة، وينتهكون آدميتهم، بل حتى التطورات والبحوث العلمية استغلت جسم الإنسان من الداخل والخارج حيا وميتا. لذا هناك دوما من يدفع ثمن الجمال والحضارة والتقدم!

مشاركة :