اتسمت السياسة الخارجية للمملكة بالاستقرار والانفتاح والعمل على التعاون المشترك مع العديد من الدول العربية والأوروبية والأسيوية، عقب بيعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بولاية العهد فى يونيو من عام 2017، فالجولات الخارجية التي أجراها سموه للعديد من دول العالم رسخت مفهوم التعاون الاقتصادي البناء والشراكة الاستراتيجية كأسس لتوطيد العلاقات. وشهدت علاقات المملكة الخارجية انفتاحاً سياسياً واقتصادياً غير مسبوق عبر سلسلة من الزيارات الناجحة التي التقى سمو ولي العهد خلالها بالقادة والمسؤولين وكبار الاقتصاديين والسياسيين في تلك الدول التي زارها، حيث قاد سموه قفزة في المفهوم لكيفية التعامل مع العالم الخارجي، وفتح الباب أمام صياغة علاقة مبنية على حماية المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، مستغلاً حقيقة أن العالم لا يمكنه الاستغناء عن الدور السعودي على كافة الأصعدة، وبفضل هذه القفزة، احتلت المملكة القيادة في العديد من القضايا والمبادرات في المنطقة والعالم. ثوابت العلاقات: راعى ولي العهد في كل زياراته الخارجية أن تقوم السياسة السعودية الخارجية على عدة ثوابت من أهمها عدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام سيادة الدول، علاوة على تجنب الدخول في تكتلات مناوئة لبعضها البعض، ومن هنا، كانت التحركات الذكية التي قام بها سموه لدول مختلفة في الشرق والغرب، من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى الصين وروسيا وباكستان واليابان وغيرهم، تضع نصب أعينها توثيق العلاقات السعودية بالأقطار العالمية، وهو ما يطلق عليه في العلوم السياسية “القوة الناعمة”. وهنا ترصد “البلاد” أبرز المحطات الخارجية لولي العهد في ذكرى بيعته الثانية والتي نستعرض فيها اهم المحطات الخارجية التي توقف عندها سموه واهم نتائجها. زيارة واشنطن ولقائه ترمب : ومن أهم الزيارات الخارجية الناجحة التى أجراها سموه زيارته للولايات المتحدة الأمريكية فى إبريل من عام 2018، بل كانت الأطول حيث استغرقت 3 أسابيع كاملة، شهدت توقيع اتفاقيات، ومذكرات تفاهم، وشراكات اقتصادية وتجارية، وتعزيز للاستثمار بين البلدين الصديقين، وتعميق للصداقة السعودية الأمريكية المبنية على الشراكة الاستراتيجية . وشملت زيارة ولي العهد لواشنطن الطواف على 7 مدن أمريكية في ماراثون طويل، من أجل جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الخارجية، وإيجاد فرص تدريب وعمل للشباب السعودي، وتكللت الزيارة بلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث ناقشا سوياً العلاقات الثنائية، وفرص تعميق الشراكة، والتأكيد على الدور الذي تلعبه البلدان على الساحة الإقليمية والعالمية، ثم توجه سموه إلى مبنى الكابيتول العريق مقر الكونجرس الأمريكي، والتقى بعض أعضائه، كما بحث مستقبل عملية السلام مع مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جيسون جرينبلات، ليؤكد سموه على دور المملكة الراسخ فى حل القضية الفلسطينية والتمسك بحل الدولتين على اساس المبادرة العربية التى اطلقتها المملكة فى قمة بيروت 2002 ،وفى مقدمتها أن القدس عاصمة لدولة فلسطين. قمة العشرين : جسدت مشاركة سمو ولي العهد في اجتماعات قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين التى عقدت بالعاصمة بوينس أيريس نهاية نوفمبر الماضى الحضور الطاغي للمملكة اقتصادياً وسياسياً، حيث خطف الأمير محمد بن سلمان كل الأنظار وأصبح هو القمة بعينها. والتقى ولي العهد بأكثر من 15 زعيماً من بينهم على سبيل الحصر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب و الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، ونائب الرئيس الإندونيسي محمد يوسف، والرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيسة وزراء بريطانيا تريزاماي ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، وأيضًا رئيس الأرجنتين ماوريسيو ماكري. وناقش سموه خلال اللقاءات العديد من الملفات الاقتصادية والسياسة وتعزيز أفق التعاون بين المملكة ودول العالم فى مجالات الاستثمار والاقتصاد ومكافحة الإرهاب والتطرف الدينى والفكرى ، والملفات الإقليمية لاسيما إرهاب مليشيا الحوثى الإنقلابية فى اليمن ، والجهود المبذولة من قبل قوات التحالف العربى التى تقودها المملكة لحفظ أمن واستقرار اليمن من خطر إيران ومليشيا الحوثى. الجولات العربية : ترسيخاً لمبدأ توحيد الصف العربى أمام التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة العربية ، كون المملكة الحصن المنيع ضد سهام الأعداء وخاصة الخطر الإيرانى، أجرى سموه العديد من الجولات العربية، لمناقشة جملة من القضايا والملفات على الصعيدين العربي والإقليمي ذات الاهتمام المشترك وتعزيز دور التحالف العربى والإسلامي فى اليمن ، بل إن أول جولاته الخارجية عقب بيعته فى يونيو من عام 2017 كانت لجمهورية مصر العربية ولقائه بالرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى وذلك فى مارس من عام 2018 ، وتصدرت جلسة المباحثات سبل مكافحة الإرهاب والتطرف وزيادة حجم التبادل التجارى ، وتبع ذلك العديد من الجولات العربية على مدار عام 2018 شملت دولة الإمارات العربية الشقيقة ومملكة البحرين وتونس و الجزائر وموريتانيا والأردن. فثمة رسائل مهمة وقوية تم توجيهها خلال تلك الجولات، تؤكد المكانة التي يحظى بها الأمير محمد بن سلمان والعلاقة القوية التي تربط المملكة بتلك الدول، ووجود رفض رسمي وشعبي للحملات الممنهجة التي تستهدف النيل من دور المملكة الإقليمي والدولي. مظاهر الاحتفاء والتقرير : تنوعت مظاهر الاحتفاء والتقدير بولي العهد خلال جولته، فيما كانت هناك مشاهد لافتة، كان أبرزها نشر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قصيدة على حسابه بـ”أنستقرام” رحب خلالها بزيارة الأمير محمد بن سلمان ، وعبر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، من خلال القصيدة، عن وقوف بلاده حكومة وشعبا إلى جانب المملكة وقيادتها في مواجهة أبواق الفتن. وعلى صعيد الحفاوة والتكريم أيضا، منح عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الأمير محمد بن سلمان، وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة؛ تقديرا لجهوده المتميزة في دعم وتعزيز علاقات البلدين الشقيقين وتطوير التعاون الثنائي ، كما منحه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وسام الجمهورية تقديرا لجهوده في دعم وتعزيز العلاقات بين البلدين. الجولة الآسيوية : امتداداً لجهود ولي العهد في ترسيخ أواصر التعاون فى كافة المجالات جاءت جولته الأسيوية من منطلق الشراكة التاريخية مع دول آسيا، فخلال زيارة سموه للعاصمة الباكستانية “اسلام أباد” وقع مع رئيس الوزراء عمران خان مجموعة من الاتفاقيات لاستثمارات في باكستان في قطاعات عدة بينها الصناعات البتروكيميائية والزراعة، تبلغ قيمتها 20 مليار دولار ، واندرجت زيارة ولي العهد إلى باكستان ، في سياق التحالف التاريخي بين السعودية وباكستان، وهي امتداد للعلاقات التاريخية بين الدولتين، وتعزز النهج نفسه في تعميق التقارب والتفاهم المشترك بينهما. تلت زيارة سموه الى باكستان جاءت زيارته لدولة الهند للقاء الرئيس الهندى رام ناث كوفيند ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، حيث استقبل “مودى” ولى العهد من على سلم الطائرة بحفاوة سجلتها عدسات وكالات الأنباء العالمية . وخلال جلسة المباحثات التى اجريت بين الزعيمين تم إبرام العديد من الاتفاقيات فى مجالات الزراعة والاستثمار ، وقال خلال المؤتمر الصحفى المشترك أنه يتوقع أن تفوق استثمارات المملكة في الهند 100 مليار دولار خلال العامين المقبلين، مؤكدا أن فرص التعاون والاستثمار بين المملكة الهند كثيرة وفي مجالات متعددة ، وإلى جانب ذلك اتفق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا وولي العهد على تعزيز التعاون الاستخباراتي بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وضرورة ممارسة المزيد من الضغوط على الدول التي ترعى الإرهاب،ولا سيما إن السعودية والهند يواجهان تحديات متشابهة أولها التطرف والإرهاب والتطرف . واختتم ولى العهد جولته الاسيوية بزيارة الصين حيث ترأس سموه مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية الصينية المشتركة التي تناولت التعاون المشترك بين البلدين ومجالات التنسيق سياسياً وأمنياً. وتمّ بحث تعزيز أوجه التعاون التجاري والاستثماري في قطاعات مختلفة، منها الطاقة والثقافة والتقنية، واستُعرضت آفاق الشراكة الثنائية بين الجانبين في نطاق رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق. واستقبل خلال الزيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ في قاعة الشعب الكبرى في بيجينغ، وبحثا العلاقات الاستراتيجية السعودية الصينية، وأوجه التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات، إلى جانب استعراض تطورات الأوضاع في المنطقة والمستجدات على الساحة الدولية والجهود المبذولة تجاهها. ورأى سموه أن الجزيرة العربية جزء رئيسي من طريق الحرير من مبادرة الرئيس الصيني والتي تتلاقى وتوجهات الصين الاستراتيجية مع رؤية المملكة 2030، مؤكداً الحرص على تحقيق كل المكاسب، ومجابهة كل التحديات التي تواجه البلدين.
مشاركة :