الأكراد والمعادلة الإقليمية من إيران إلى تركيا مروراً بسورية والعراق

  • 3/30/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وصف مصطفى كمال أتاتورك معاهدة سيفر المعقودة في 10آب (أغسطس) 1920 بأنها «حكم بالإعدام على تركيا». كانت المعاهدة حصيلة لاستسلام الدولة العثمانية للحلفاء يوم 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1918. في موادها 62-63-64 تتحدث المعاهدة «عن أنه خلال عام من دخولها حيز التنفيذ سيدعى أكراد مناطق شرق الفرات وجنوب أرمينيا وشمال سورية المحددة حدودها مع تركيا وفق المعاهدة بخط يمتد عبر طرسوس وعنتاب وأورفة وماردين نزولاً إلى الحدود الثلاثية عند جزيرة ابن عمر على دجلة والحدود الشمالية لبلاد الرافدين مع تركيا للمثول أمام مـــجلس عصبة الأمم ليقرروا ما إذا كانوا يريدون الاستــقلال عن تركيا، وسيقرر المجلس عندها ما إذا كــان الأكراد قادرين على أخذ استقلال كهذا وما إذا كان سيعطي توصية بذلك. تركيا عند ذلك ستوافق على تنفيذ توصية كهذه وعلى التخلي عن كافة الحقوق والادعاءات في ما يخص هذه المناطق». خلال سنوات ثلاث استطاع أتاتورك تغيير الواقع العسكري على الأرض وأجبر الحلفاء على عقد معاهدة لوزان في 24 تموز(يوليو) 1923 التي ألغت مفاعيل «سيفر» الكردية وكان قبلها قد جعلها ملغاة في ما يتعلق بالحدود التركية - السورية من خلال اتفاقية أنقرة مع الفرنسيين يوم 20 تشرين الأول 1921. وكانت ولادة الدولة التركية الحديثة في 29 تشرين الأول 1923 من رحم لوزان. عندما ألغى أتاتورك الخلافة الاسلامية يوم 13 آذار 1924 كان الإلغاء إعلاناً عن اتجاهه نحو دولة تركية قومية - علمانية. بعد عام اندلعت ثورة ضده في الجنوب الشرقي بقيادة شيخ للطريقة النقشبندية هو الشيخ سعيد بيران كانت رايتها اسلامية خضراء ونادت بشعار (لتحيا الخلافة). كان الشيخ سعيد كردياً وقاعدة ثورته الاجتماعية من الأكراد وتعاون مع جمعيات قومية كردية مثل «آزادي» ولكنه لم يكن قومياً كردياً في مواجهة أتاتورك بل وضع الراية الاسلامية ضده، وقد رأى أتاتورك مصلحة أثناء محاكمة الشيخ في اتهامه قبيل اعدامه بأنه «قومي كردي». أمام شوفينية أتاتورك القومية اتجه أكراد تركيا لوضع القومية الكردية في وجهه. حصلت ثورتان كرديتان: واحدة في مدينة (آغري) 1926- 1930 بقيادة جنرال عثماني هو إحسان نوري باشا، والأخرى ثورة مدينة (ديرسم) 1937 - 1938 قمعها أتاتورك بالطيران والغازات السامة وقتل فيها عشرات الآلاف من الأكراد الذين ثاروا في تلك المدينة التي سميت لاحقاً بـ (تونجلي). كان هذا صراعاً على حطام التركة العثمانية: وضع شيخ كردي طريقة صوفية، كانت هي موضع قرب من السلاطين العثمانيين، ضد القومية – العلمانية ثم قامت النزعة الكردية القومية مرتين ضد النزعة الأتاتوركية. عندما تهددت وحدة الدولة الايرانية بفعل تجاذبات الحرب العالمية الثانية ودخول الجيش السوفياتي شمال غرب ايران بموافقة البريطانيين، قامت دولتان: (حكومة شعب أذربيجان10/12/1945-11/12/1946) و(جمهورية مهاباد الكردية22/1/1946-17/12/1946). كان الراعي للدولتين هو جوزيف ستالين، ولكن عندما تنازل الغرب عن بولندا لموسكو انسحب الجيش السوفياتي من ايران تاركاً الجمهوريتين لمصيرهما أمام قوات شاه ايران. كان هذا تعبيراً عن أن هناك مشكلة قومية كردية في ايران رافقت آلام ولادة الدولة الايرانية الحديثة مع آل بهلوي منذ عام1925 وعندما كانت ايران تدخل في الأزمة يطل الموضوع الكردي برأسه وإلى حد ما الأقليات الأخرى مثلما جرى مع الأذربيجانيين. مع ولادة الثورة الخمينية برزت ثورة كردية بعد أشهر من سقوط حكم الشاه في الغرب الايراني قمعها الخميني بالحديد والنار في صيف 1979. لم يكن أكراد العراق عائقاً أمام ولادة الدولة العراقية عام 1921 ولكن في أزماتها، مع دخول الغرب الأميركي ضد عبدالكريم قاسم المطالب بالكويت وهو الحليف لموسكو والشيوعيين المحليين، نقل الملا مصطفى البارزاني، الذي لجأ الى الاتحاد السوفياتي بعد انهيار جمهورية مهاباد وهو الذي كان قائداً عاماً لقواتها ثم عاد للعراق عام 1958، بندقيته من الكتف الأيسر للأيمن مختاراً الاستناد إلى الغرب لدعم ثورته الأولى في أيلول 1961 بعد ثلاثة أشهر من مطالبة قاسم بالكويت. في أعوام 1973-1975 استند الملا البارزاني إلى شاه ايران قبل أن يبيعه الأخير إلى صدام حسين مقابل شط العرب. عادت قوة أكراد العراق للنمو عكساً مع ضعف بغداد في حرب 1991 ثم مع الاحتلال الأميركي لها عام 2003. في سورية كان أكرادها، وهم الأقل نسبة في الدول الأربع، الأكثر اندماجاً في النسيج السوري بالقياس للدول الثلاث الأخرى، وعندما نمت الحركة الكردية السورية مع نمو قوة أكراد العراق عقب مرحلة ما بعد صدام حسين وعاد حزب العمال الكردستاني للتعافي بعد ضربة اعتقال أوجلان لم تستطع الأحزاب الكردية السورية أن تكون خارج مدارات أربيل – السليمانية - جبال قنديل. ومع ضعف دمشق عقب أزمة درعا (18آذار2011) زاد الحضور السياسي للأكراد السوريين. خلال ما يقرب من مئة عام على انهيار الدولة العثمانية لم يستطع أحد من الأكراد أن يكون لاعباً اقليمياً، سوى عبدالله أوجلان منذ ثورته ضد أنقرة في 15آب 1984 وحتى اعتقاله في 15 شباط (فبراير) 1999، حيث بقي يلعب بين الدول، سورية – ايران- اليونان – الاتحاد السوفياتي، ولا يُلعب به، بخلاف الملا البارزاني أو جلال طالباني ومسعود البارزاني أوعبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني في ايران . تقترب منه في هذه الوضعية قيادة جبال قنديل التي خلفت أوجلان في قيادة حزب العمال. ساعدها على هذا تأسيسها لأربعة أحزاب تحت خيمتها في الدول الأربعة: تركيا (حزب الشعوب الديموقراطية HDP)، سورية (حزب الاتحاد الديموقراطيpyd)، ايران (حزب الحياة الحرة الكردستانيPJAK)، العراق(حزب الحل الديموقراطي الكردستانيpcdk). تشكل هذه الأحزاب (منظومة المجتمع الكردستانيKCK) وكان يرأس قيادتها مراد قره يلان حتى تموز 2013 ثم خلفه جميل باييك. هذه المنظومة الآن هي لاعب اقليمي كبير من مهاباد حتى عفرين ومن دياربكر حتى كركوك وهي المسيطرة على الأكراد في المهجر الأوروبي. ويلفت النظر اصرارها الآن على الحدود القائمة للدول الأربع وعدم وجود نزعات انفصالية عند أحزابها بخلاف ما نراه عند مسعود البارزاني أوعند حزب سوري مثل (يكيتي) أو»فيدرالية المكونات» كما يطرح زعيم (البارتي) في سورية الدكتور عبدالحكيم بشار، كما يلحظ ابتعادها عن شعار(كردستان الكبرى)، واصرارها على الاتحاد الديموقراطي الطوعي للشرق الأوسط بعربه وأكراده وأتراكه وفرسه. تتجه هذه المنظومة لعقد مؤتمر في نيسان (إبريل) القادم لدراسة الصفقة التي يبدو أنها نضجت الآن بين أردوغان وأوجلان والتي ستجعل الأكراد لاعباً اقليمياً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط ولكن ضمن المدار التركي كما كانوا في الزمن العثماني.

مشاركة :