باريس: ميشال أبو نجم دخلت المفاوضات الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني أمس في مرحلتها الحاسمة وسط تسريبات متناقضة بعضها يقول بوجود «لا اتفاق نوويا مع وجود مسائل عالقة تحتاج لتسوية» وأخرى تفيد بأن عناصر الاتفاق قد توافرت. ورغم ذلك، فإن رياح التفاؤل هبت أمس على فندق بوريفاج المطل على بحيرة ليمان في مدينة لوزان السويسرية التي قيل إنها تتهيأ لولادة الاتفاق». الإطار بين الدول الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) وإيران حول برنامج طهران النووي بعد 18 شهرا من المفاوضات المضنية ومئات الساعات من المساومات المريرة التي كان «بطلاها» وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري وإيران محمد جواد ظريف. وفي الساعات الـ48 الماضية، وصل المتفاوضون إلى ما سمتها مصادر أوروبية موجودة في لوزان «ساعة الحقيقة» مع اقتراب استحقاق نفاد المهلة المحددة للتوصل إلى الاتفاق الموعود. وبحسب هذه المصادر، فإن المتاح حتى منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء إما إعلان الاتفاق بصيغة من الصيغ المتدارسة «إعلان صادر عن الوزراء السبعة، اتفاق خطي أو بيان شفهي..»، وإما إعلان الفشل وفتح الباب أمام المزايدات. وبرأي هذه المصادر، فإن المواضيع التي كانت حتى مساء أمس سببا للتأخير قد «أشبعت بحثا وتمحيصا وبالتالي حان وقت التسويات». وتتمثل هذه المواضيع بثلاثة رئيسية هي: تمسك إيران بحقها في الاستمرار في البحوث النووية لتطوير معارفها وإنتاج جيل جديد من الطاردات المركزية، ومصير موقع فوردو، وأخيرا وتيرة رفع العقوبات الثنائية (الأميركية والأوروبية) والدولية. بعد ظهر أمس، تكاثرت المؤشرات التي تدل على اقتراب خروج الدخان الأبيض من قاعة الاجتماعات في البوريفاج بعد أن أعلن أن ثلاثة من وزراء الخارجية (أميركا وألمانيا وفرنسا) قرروا تغيير برامجهم السابقة والبقاء في لوزان التي وصلها ظهرا وزير خارجية الصين وفدريكا موغيريني، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بينما وصل وزير خارجية روسيا عصرا وكان ينتظر وصول وزير خارجية بريطانيا مساء. وقال مصدر دبلوماسي أمس إن وزيري خارجية فرنسا وألمانيا قررا تأجيل زيارة مقررة إلى كازاخستان اليوم من أجل البقاء في سويسرا ومتابعة المحادثات مع إيران. كما كان وزير الخارجية الأميركي ألغى أيضا رحلة كانت مرتقبة إلى بوسطن اليوم للبقاء في لوزان قبل انتهاء المهلة المحددة للتوصل إلى اتفاق بين القوى الكبرى وإيران حول البرنامج النووي غدا. وفيما تكثفت الاجتماعات الثنائية والجماعية وأبرزها لقاء كيري - ظريف صباحا، تسربت معلومات عن «تسويات» تم التوصل إليها بشأن عدد من المواضيع الخلافية العالقة، ولكن من غير أن تعلن رسميا. وأهم ما علم أن الوفد الإيراني أعلن، أخيرا، أنه يقبل بخفض عديد الطاردات المركزية إلى 6 آلاف من أصل 19 ألف طاردة يملكها. ويعد هذا الأمر تنازلا مهما من وجهة النظر الإيرانية يضاف إلى قبول طهران إخراج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب الذي تجمع لديها في السنوات الماضية وهي تقدر بحسب الوكالة الدولية للطاقة النووية 8 آلاف طن. كذلك أفيد عن قبول إيران وقف استخدام منشأة فوردو القريبة من مدينة قم والتي نشرت فيها طهران أحدث طارداتها المركزية لتخصيب اليورانيوم. وكانت باريس وبدعم من بريطانيا قد «أصرت» على هذا المطلب، بينما كان الوفد الأميركي قد قبل باستمرار استخدامها شرط تحديد سقف درجة التخصيب. ودفع هذا الأمر وزير خارجية إيران أول من أمس إلى محاولة اللعب على حبل التجاذب الأميركي – الفرنسي؛ إذ أشار إلى «وجود خلافات داخل مجموعة 5+1 وهناك رؤى مختلفة ومتناقضة وعليهم إنهاء هذه الخلافات». وبحسب ما أشارت إليه مصادر دبلوماسية غربية، فإن باريس تمسكت برأيها وباعتبار أن فوردو «أكثر خطرا» من موقع نطانز، لأن الطاردات المركبة في الموقع الأخير قديمة بعكس حال ما هو موجود في فوردو. وجاء الطلب الفرنسي ليدفع أحد المفاوضين الإيرانيين، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية إلى القول إن «الطرف الآخر يعيد طرح مسائل فنية سبق التفاهم بشأنها». وفي أي حال، فإن إيران رغم هذه التنازلات تكون قد حققت أحد أهم مطالبها الأساسية وهو الاحتفاظ بالقدرة على تخصيب اليورانيوم وإن بنسبة مخفضة بينما كان الغربيون يقولون سابقا إن معاهدة منع انتشار السلاح النووي «لا تنص» على شيء من هذا النوع. أما في موضوع رفع العقوبات وهو من المسائل الخلافية الرئيسية بين طهران والغربيين، فيبدو أن طهران قبلت إظهار بعض الليونة وعدم التمسك برفع فوري وكلي لكافة العقوبات المفروضة عليها. وحجة الغربيين أن العقوبات الدولية لا يمكن أن ترفع في مجلس الأمن الدولي إلا من خلال قرار جديد وأن أمرا كهذا يفترض أن تتقدم الوكالة الدولية للطاقة النووية بتقرير تؤكد فيه أن برنامج إيران النووي سلمي وبالتالي لا يتضمن مخاطر تفضي إلى امتلاكها القنبلة النووية. وتريد إيران تحديدا إلغاء القرار الدولي رقم 1929 الموجود تحت الفصل السابع. وقالت مصادر فرنسية أمس إن رفع العقوبات الأوروبية والأميركية «أكثر سهولة من رفع العقوبات الدولية». كذلك عادت باريس للتركيز على أهمية وقف برامج البحوث والتطوير الإيرانية لأن ذلك ينسف مضمون الاتفاق حول المدة التي تحتاجها إيران لإعادة إنتاج الكميات الكافية من اليورانيوم المخصب في حال قررت التخلي عن التزاماتها ونسف الاتفاق الموعود. وكان الطرفان الإيراني والغربي قد تبادلا التحذيرات. ففيما قالت مصادر غربية إن «الكرة في ملعب إيران» رد محمد جواد ظريف أمس على حسابه على موقع «تويتر» إنه «يتعين على كلا الطرفين أن يظهر مرونة في المفاوضات. لقد كنا وما زلنا مستعدين للتوصل إلى اتفاق جيد للجميع وننتظر أن يبدي نظراؤنا استعدادهم» لتقديم تنازلات. وفيما كانت مجموعة الست وإيران تتأهبان لجولة جديدة من التفاوض الجماعي مساء على المستوى الوزاري بعد أن تم تأجيلها بانتظار حضور الوزيرين الغائبين (لافروف وهاموند)، وجه البيت الأبيض بلسان جوش إرنست الناطق باسمه، تحذيرا لإيران دعاها فيه لـ«إرسال رسالة واضحة» تبين فيها «جديتها» لتدعيم الأفعال بالأقوال تجاه الامتناع عن العمل لحيازة السلاح النووي والالتزام بذلك. وأضاف إرنست في حديث صحافي أن المطلوب «موافقة إيران على عمليات تفتيش دقيقة» من شأنها خفض القلق بشأن أغراض برنامجها النووي. بموازاة ذلك، شنت إسرائيل حملة مكثفة في محاولة منها لعرقلة التوصل إلى اتفاق عن طريق الضغط على الوزراء الغربيين. وندد بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية بما سماه «محور إيران - لوزان - اليمن» الذي اعتبره خطيرا «لكل البشرية» و«يؤكد كل المخاوف الإسرائيلية لا بل أكثر من ذلك». واتهم نتنياهو إيران بأنها تسعى للسيطرة من خلال محور بيروت - دمشق - بغداد على كل الشرق الأوسط لكنه عول على الكونغرس الأميركي من أجل تأخير أو إجهاض الاتفاق وحيث «تتمتع إسرائيل بدعم من الحزبين» الجمهوري والديمقراطي. وكان نتنياهو قد سعى في خطاب ألقاه بداية الشهر الحالي في الكونغرس لتأليب الشيوخ والنواب ودفعهم للضغط على إدارة الرئيس أوباما وبالتالي نسف الاتفاق.
مشاركة :