يؤمن عدد كبير من الناس في العالم أن هناك نخبة تجتمع بشكل سري تتحكم في مصير العالم وتصنع أحداثه الكبرى. وتتعدد الروايات والقصص عن الجمعيات والمنظمات التي تقودها هذه النخب. ويعتبر أنصار هذه النظرية أن الماسونية، التي تشكلت في بريطانيا عام 1717 هي الجمعية الأم التي تفرعت منها كل الجمعيات السرية السابقة واللاحقة التي تتحكم في العالم، والتي من بينها جمعية بيلدربيرغ التي تشكلت في هولندا عام 1954 وتعتبر الأقوى والأكثر نشاطا، حتى أن البعض يصفها بأنها “حكومة العالم السرية“. وتابع العالم مؤخرا أصداء هذه المنظمة على خلفية انعقاد مؤتمرها السنوي الذي يضم شخصيات من كبار القادة والسياسيين ورجال المال والاقتصاد في أوروبا والولايات المتحدة. وتعقد الاجتماعات بموجب قاعدة تشاتام هاوس، التي تمكن المشاركين من التستر على هوياتهم عند التطرق إلى المعلومات المقدمة في المؤتمر. ورغم أن انعقاد المؤتمر معروف كما مكانه ومواضيعه وعدد من الشخصيات التي ستشارك فيه، إلا أن الغموض يظل يحيط به، نظرا لأن اجتماعاته تعقد في سرية تامة ولا يتسرب شيء منها إلى الإعلام. وقد كتب جوردون تيثر، في صحيفة فاينانشيال تايمز سنة 1975، قائلا “إذا لم تكن مجموعة بيلدربيرغ مؤامرة من نوع ما، فقد صممت بطريقة تجعلنا نظن أنها كذلك“. على امتداد أيام انعقاد المؤتمر يحجز فندق الاجتماع كاملا. وتمنع وسائل الإعلام من الاقتراب منه. ولا تقدم تفاصيل الاجتماعات للصحافة. ويطلب من أعضاء المجموعة المثول لقسم السرية. ويقول بينوي كامباك، الصحافي في محلة انترناشيونال دياجيست، “خلقت هذه العوامل تكهنات أغرب من الخيال، إذ يتهم بعض المهتمين بنظريات المؤامرة أعضاء المجموعة بأنهم من الزواحف البشرية التي تخطط للهيمنة على العالم“. ويذهب في ذات السياق أندرو ميللر، الصحافي في مجلة ذي ترامبيت، قائلا “نظرا للسرية التي تحيط بمناقشات بيلدربيرغ، أصبح المؤتمر موضوعا شائعا في المحادثات التي تشمل نظريات المؤامرة. ويزعم البعض أن عمل أعضاء المجموعة مع المتنورين أو الماسونيين أو عصابات سرية أسستها البابلية سميراميس“. تعقد الاجتماعات بموجب قاعدة تشاتام هاوس، التي تمكن المشاركين من التستر على هوياتهم عند التطرق إلى المعلومات المقدمة في المؤتمر ووفقا لموقع مؤتمر بيلدربيرغ على شبكة الإنترنت، يلتقي القادة السياسيون وخبراء الصناعة والاقتصاد والأكاديميون البارزون ومنظمو وسائل الإعلام، بشكل دوري سنة في أميركا الشمالية وسنة في أوروبا. يتراوح عدد المشاركين بين 120 و140 فردا، ينتمي ثلثاهم إلى بلدان أوروبية ويأتي الباقون من أميركا الشمالية. وينشط ربع الحاضرين في مجال السياسة ويتوزع الباقون على مجالات أخرى. وانطلقت الدورة الـ67 للمؤتمر في 31 مايو وتختتم فعالياتها في 2 يونيو 2019، في مدينة مونتور بسويسرا. وجاء في البيان الصحافي أن حوالي 130 مشاركا من 23 دولة، سيبحثون القضايا العالمية الراهنة منها: ما التالي بالنسبة لأوروبا وأزمة المناخ والصين وروسيا ومستقبل الرأسمالية والبريكست وعسكرة وسائل التواصل الاجتماعي وسباق التسلح نحو الفضاء وتنمية الذكاء الاصطناعي وخطر التهديدات السيبرانية على البنية التحتية. ونظرا لخصوصية المؤتمر، يتوقع أن تكون هناك ملفات أخرى محل نقاش لم يتم الإعلام عنها، على غرار صفقة القرن، التي يعتبر كوشنر عرابها. يترأس الكونت الفرنسي هنري دي كاستري مجلس إدارة المؤتمر الذي يجمع شخصيات عالمية بارزة مثل ملك هولندا فيليم ألكساندر، ومن الحاضرين وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين ووزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير والرئيس السابق للمفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر ووزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر ومدير غوغل للأفكار جاريد كوهين والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا. ومن مؤشرات مدى سرية اللقاء أنه لم يدرج مسبقا على جدول الأعمال الرسمي للجولة الأوروبية وزير الخارجية الأميركي، كما أن اسم بومبيو لا يرد في لائحة بأسماء نشرها المنظمون. وليبرر وجوده في سويسرا منذ بعد ظهر الجمعة حتى صباح الاثنين، قال بومبيو للصحافيين الذين يرافقونه إنه “من كبار محبي الشوكولا والجبنةتأسست جمعية بيلدربيرغ في هولندا عام 1954. ومن أبرز من شارك في تأسيسها الأمير برنارد، والد ملكة هولندا بياترس، والسياسي البولندي جوزيف ريتنجر (1888-1960). كان الأمير برنارد ضابط مخابرات في قوات الأمن الخاصة المرتبط بالنظام النازي. استقال الأمير من الحزب النازي سنة 1934 وتزوج من الأميرة جوليانا. اتّهم جوزيف ريتنجر أثناء الحرب العالميّة الثانية بأنّه كان جاسوسا للفاتيكان. وطرد من مجموعة دول الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى للاشتباه في ضلوعه في التخطيط لإنشاء اتحاد كاثوليكي لأوروبا الوسطى. كوّن ريتنجر، في منفاه أثناء الحرب العالمية الثانية علاقات مكثفة مع كبار المسؤولين مثل وينستون تشرشل. وأسس الحركة الأوروبية التي حصلت على دعم مالي أميركي، عبر المخابرات المركزية واللجنة الأميركية من أجل أوروبا موحدة، واستقال سنة 1952 ليؤسس بيلدربيرغ. كتب ريتشارد ألدريتش، وهو أستاذ بجامعة وارويك، أن تأسيس بيلدربيرغ كان استجابة لظهور موجة معاداة لأميركا في أوروبا الغربية، ولتحديد إجماع أطلسي وسط وجهات النظر الأوروبية والأميركية المتباينة من خلال جمع شخصيات أوروبية وأميركية بارزة كل سنة لمناقشة خلافاتهم على منصة غير رسمية. ونشر ريتنجر نظرة عامة على المجموعة التي تسعى في إقناع الأوروبيين المتشككين بدور الولايات المتحدة. وأكد أن الاجتماعات غير الرسمية والخاصة تجمع أشخاصا مؤثرين وموثوقين “ممن يحترمون العاملين في مجال الشؤون الوطنية والدولية“. يستمد مؤتمر بيلدربيرغ اسمه من اسم الفندق الذي عقد فيه أول اجتماع، وهو فندق بيلدربيرغ في قرية أوستيربيك بهولندا. وامتد من 29 إلى 31 مايو 1954. ومع مرور الوقت، أصبحت الاجتماعات السنوية منتدى لمناقشة مجموعة من المواضيع التي تمتد من التجارة إلى التشغيل إلى التكنولوجيا، ومن السياسة النقدية إلى الاستثمار، ومن التحديات البيئية إلى تعزيز الأمن الدولي. ولا شكّ أن في النظريات، التي تقول إن جمعية بيلدربيرغ هي التي تخطط وتضع سياسات النظام العالمي الجديد، وتحاول فرض حكومة عالمية واحدة، جانبا من الحقيقة ففي الأخير قادة الدول الكبرى في العالم ورجال المال، تضاف إليهم الأقطاب التكنولوجية، هم من يصنعون سياسات العالم ويحددون توجهاتهيشير كامباك إلى أن أكبر مؤيد لنظرية المؤامرة في الولايات المتحدة، أليكس جونز، يؤكد أن هناك مجموعات قوية من الشركات التي تتجاوز سلطتها ونفوذها الحكومة. وقال إن دورها يتمثل في التلاعب بالأحداث لإبقاء السكان في متناول أياديهم. إذ حضر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون قمة بيلدربيرغ سنة 1991، وأصبح رئيسا بعد عامين. وقبل أربعة أعوام من توليه رئاسة الوزراء البريطانية، كان توني بلير على قائمة المدعوين سنة 1992. وتكرر نفس السيناريو مع ديفيد كاميرون قبل توليه منصب رئيس الوزراء في بريطانيا. وخلق هذا فكرة أن المجموعة تحكم وتختار قادة العالم وراء أبواب مغلقة. كما يتهم عدد من الأفراد مجموعة بلدربرغ بإشعال أحداث وأزمات عالمية مثل غزو العراق وإقناع الزعماء بكيفية التعامل مع القضايا العالميّة والتلاعب بالرأي العام العالمي لتوجيهه تحت حكومة وسوق واحد. ويصف تقرير مؤتمر المجموعة في بورغينستوك سنة 1960 التجمعات بأنها مكان يمكن فيه طرح الحجج التي لا تلائم النقاش العام فيه. ويقول الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، جوزيف ستيغليتز في كتابه “ثمن عدم المساواة”، إن هؤلاء الأفراد تعلموا امتصاص الأموال من الآخرين دون أن يتفطن إليهم أحد. وأضاف “هذا هو ابتكارهم الحقيقي. تشكّل السياسة السوق، ولكن النخبة اختطفتها“. ويضيف ستيغليتز، المعروف بمعارضته للسياسات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية بعد أن عين رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة كلينتون ثم كبير الاقتصاديين ونائب رئيس البنك الدولي، “بعد عقود من الليبرالية الجديدة، وجدنا أنفسنا تحت رحمة مجموعة من الكارتلات التي تضغط على السياسيين وتستخدم قوتها الاحتكارية لزيادة أرباحها“. في المقابل، لا يرى العديد من الأفراد خطورة أو أهمية في المؤتمر، مثلا حضر الفيلسوف والكاتب الكندي مارشال ماكلوهان (1911-1980) هذا المؤتمر سنة 1969. ووصفه بأنه اجتماع لـ”عقول من القرن التاسع عشر تتظاهر بانتمائها إلى القرن العشرين”. وقال إن المواضيع المتناولة كانت تافهة..
مشاركة :