تحقيق: راندا جرجس لا يؤثر ما يتناوله الإنسان على صحته اليومية فقط، بل يساعد أيضاً في تحديد نوعية حياته وكيفية عيشها، وهناك اختلافات طفيفة في عادات الأكل يمكن أن تُحدث تغييرات أساسية في صحته، لأن البرنامج الغذائي الصحيح يساعد على أن يبدو الشخص بشكل أفضل، كما يعزز المناعة ووظائف المخ ويؤخر الشيخوخة، ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يتعرضون للمشكلات نتيجة عدم الالتزام بالتغذية السليمة.وفي هذا التحقيق يقدم اختصاصيو التغذية، معلومات حول تأثير الغذاء على حياتنا اليومية، ونصائح تطبيقية لتجنّب مخاطره.تقول أخصائية التغذية ويت مونيتور: «يلعب النظام الغذائي دوراً مركزياً في نشأة العديد من المشاكل الصحية في يومنا هذا، مثل: السمنة وأمراض القلب والسكري، وارتفاع ضغط الدم والسرطان، والتهاب المفاصل، وأمراض الكلى، وترقق العظام، وسوء التغذية، واضطرابات الجهاز الهضمي، وأمراض المناعة والأعصاب، والخصوبة تكيس المبايض، والاضطرابات النفسية، ولذلك تعد الإدارة الغذائية أمر حاسم في الوقاية والعلاج من هذه الاضطرابات، كما يساعد البرنامج الغذائي على محاربة التوتر والتعب والكسل، والأمراض الجلدية واضطرابات النوم».تستكمل: «عندما نلقي نظرة دقيقة على الصحة العامة، فإن المحددات تشمل النظام والمواد الغذائية، والتمارين والنشاط البدني، والصحة النفسية، وعلم الوراثة، البيئة، والحمض النووي، والتلوث، التي تعتبر القضايا الرئيسية التي تحدد إلى حد بعيد، اختلال التوازن الذي يمكن أن يؤثر على صحتنا، وإذا أردنا دراسة كل واحدة من هذه التعدادات على حدة، فالحمض النووي هو الشيء الذي لا يمكن أن نقوم بتعديله حتى الآن.والجدير بالذكر أن التمارين الرياضية لها حد ولا تحقق دائماً المستوى الأمثل لها، وكلما ازدادت تعقيدات الحياة ازداد التوتر والعصبية، ولأن البيئة المحيطة شيء لا يمكننا إدارته بمفردنا، فإن ما نستطيع القيام به ويعد من أهم عوامل التعديل، الغذاء». فئات مستهدفة تفيد مونيتور، أن حوالي الثلثين تقريباً من أسباب الإصابة بمرض السرطان، يرتبط بالنظام الغذائي، كما أن ازدياد الوعي حول النظام الغذائي، ونمط الحياة تسبب من ناحية أخرى في زيادة عبء هذه الحالات، ففي حين أننا نعيش لفترة أطول من السابق، بفضل الطب والعلاجات الحديثة للأمراض السارية والمعدية، إلا أن العبء المترتب على نظام الرعاية الصحية يزداد بشكل حاد، والمزعج في الأمر أن سن الإصابة بهذه الأمراض في تراجع مستمر، فما كان يعتبر مرضاً لا يصيب سوى كبار السن، أصبح الآن يستهدف الشباب، وليس من المستغرب أن تشير توقعات أحد خبراء الصحة العامة من جامعة ييل، إلى أن المدى العمري لأطفال هذا الجيل، سيكون على الأرجح أقصر من جيل آبائهم، وهذا شيء لم يحصل قط في تاريخ البشرية. التحكم في السعرات وتذكر مونيتور، أن هناك اهتماماً متزايداً بالأنظمة الغذائية والأطعمة، والمكملات الغذائية، لكننا في بعض الأحيان نكون غير قادرين على التحكم في أنفسنا، حيث إنه علينا مراقبة السعرات الحرارية، وخاصة الكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون، والألياف، والمغذيات والمغذيات الدقيقة.والجدير بالذكر أن الطبيعة منحتنا آلية داخلية في أجسامنا، لتنظيم تناولنا للطعام، وهذا ما نراه في الأطفال بوضوح حيث إنهم لا يستطيعون أن يأكلوا أكثر من طاقتهم، ويعرفون متى يتوقفون، وما نحاول شرحه هو أننا مجهزون بضوابطنا الداخلية الخاصة، لكننا لسوء الحظ قمنا باستغلالها وتدميرها على مر السنين، كما أُثبت علمياً أن هناك أطعمة محددة تصيبنا بالإدمان، ويخطط خبراء الصحة العامة اليوم لضبط الأغذية عبر فرض ضرائب عليها، وخاصة على الوجبات السريعة، وهم في الواقع يريدون أن يستخدموا نفس الطريقة التي تم استخدامها مع التبغ، حيث إن الشخص يعرف أن هذه الأطعمة ليست جيدة لصحته، ومع ذلك لا يستطيع أن يتوقف عن تناولها، وهذا ما يحدث معنا جميعاً بالإجمال مع غذائنا، فنحن ندرك جيداً أنه ليس الأفضل، ومع ذلك لسنا على استعداد للتخلي عنه. محاربة السمنة وتشير مونيتور إلى أن مسألة السمنة تجعل الناس يشعرون باليأس والعجز أكثر فأكثر، حيث بات العديد من الناس يعتبرون جراحات علاج البدانة الوسيلة الأسهل للتخلص من الوزن الزائد، كما أن الكثيرين من المرضى الذين يشعرون بالعجز تجاه التعامل مع ظروفهم الصحية، حققوا استجابة ملحوظة للتغييرات على النظام الغذائي، وفقدوا الوزن وتخلصوا من كمٍّ كبير من أدويتهم، حيث يمتلك الغذاء هذه القوة، ومع اتباع النظام الغذائي الصحيح يستطيع الإنسان التخلص من العديد من مشاكله الصحية، ويعد داء السكري أحد أهم أسباب الإصابة بالبدانة وأمراض القلب، وهو أحد الأغذية المسببة للإدمان إلى حد كبير، ولا نقصد أن تتوقفوا عن تناول السكريات، بل يجب مراقبة الكميات التي نتناولها في الشاي والقهوة والمشروبات والحلويات.تستكمل: «وجدت الدراسات العلمية الحديثة أن القمح يحتوي على الغلوتين، وهو مادة شبيهة بالمورفين، ولذا يحتوي القمح على مادة تسبب الإدمان، وربما يكون هناك العديد من المواد الشبيهة في أغذية أخرى لم يتم اكتشافها بعد، حيث نقلت تجربة القمح عن طريق استخدام عدد كبير من المرضى، الطحين البديل مثل طحين نبات الدخن، أو طحين البقوليات الخالي من الغلوتين، لمسوا اختلافاً كبيراً في صحتهم، وبدأوا يشعرون بصحة أفضل وأخف وزناً، وأقل انتفاخاً وأكثر نشاطاً، كما تتحسن علاماتهم الحيوية بما في ذلك مستويات الكولسترول والسكر في الدم».وتشير التقارير إلى أن ما يقارب ثلث الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة حول العالم، يعانون حساسية من الغلوتين (القمح). النظام الغذائي وتبين مونيتور أن الاحتياجات الغذائية تختلف بشكل كبير بين فرد وآخر، فربما يكون الطعام العادي لأحد الأشخاص ساماً لشخص آخر، ويجب أن يتم وضع الأنظمة الغذائية بشكل فردي، لتلائم الاحتياجات الخاصة بكل شخص، ولذلك يحتاج الأشخاص الذين يعانون أمراضاً ذات صلة بنمط الحياة، إلى مشورة دقيقة علمية لكن مرنة في الوقت نفسه، ليكون من السهل دمجها داخل الحياة اليومية على المدى الطويل، ولتكون نهجاً مستداماً لإدارة النظام الغذائي. فلنواجه الأمر، حيث إنه لا يوجد شيء يمكن أن نطلق عليه النظام الغذائي المثالي، ولكن يمكننا استبدال القول السائد: «تناول الطعام والشراب واستمتع بحياتك لأنك قد تموت غداً»، بمقولة: «تناول الطعام والشراب بحرص واستمتع بحياتك اليوم وغداً». مسببات الإصابة وتوضح الدكتورة نادين عون، أخصائية التغذية أن متلازمة الأكل ليلاً، هي أحد أنواع اضطرابات الأكل التي تتميز بنمط يومي متأخر لتناول الطعام، وعلى الرغم من أن هناك بعض الدرجات المشتركة مع اضطراب نهم الطعام، إلا أن هذه المتلازمة تختلف مع نهم الطعام، في أن كمية الطعام التي يتم تناولها مساء ليست بالضرورة كمية كبيرة، ولا هي فقدان للتحكم في كمية الطعام المتناول، حيث تُعرف هذه الحالة بأنها تربط بين الإفراط في تناول الطعام في الليل بمشاكل النوم، التي يقوم فيها الشخص بتناول كثير من الطعام بعد وجبة العشاء، ويعاني مشاكل النوم ويأكل كلما استيقظ ليلاً. الأكل ليلاً وتشير د. عون، إلى أن أسباب إصابة الأشخاص بمتلازمة الأكل ليلاً، لا تزال غير واضحة حتى الآن، ولكن يعتقد الخبراء المختصون أن الأمر متعلق بدورة الاستيقاظ والنوم، إضافة إلى بعض الهرمونات، ولكن تغيرات جدول النوم والروتين غير مسؤول عن ذلك، ولكن هناك أشخاص أكثر عرضة لهذه الحالة، وهم الذين يعانون السمنة أو أمراض الأكل الأخرى، كما أن هؤلاء المرضى يعانون غالباً الاكتئاب، والقلق وتعاطي المخدرات، وتؤثر متلازمة تناول الطعام ليلاً على واحد من بين عشرة أشخاص، وإذا كان المصاب مريض سمنة، يكون أكثر عرضة للإصابة. أسباب وراثية وتفيد د. عون، أن الباحثين اكتشفوا احتمالية العلاقة بين متلازمة تناول الطعام ليلاً، والجينات الوراثية، فهناك جين يسمى PERI، يعتقد أنه المسؤول عن التحكم في الساعة البيولوجية، وأشار العلماء إلى أن خلل هذا الجين يمكن أن يسبب هذه الحالة، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث. أعراض وعلامات وتؤكد د. عون، أن متلازمة تناول الطعام ليلاً، تختلف عن مرض الشراهة، الذي يتناول فيه المريض كثيراً من الطعام عندما يكون وحيداً، أما في متلازمة الأكل ليلاً فإنه يتناول كميات صغيرة ليلاً، كما تختلف المتلازمة عن أمراض النوم المتعلقة بالطعام، حيث يتذكر الشخص أنه تناول الطعام الليلة البارحة، وعادة ما يأكل المريض ربع الحصة اليومية من السعرات الحرارية التي يحتاج إليها جسمه في وجبات ما بعد العشاء، وقد تحدث هذه الحالة بشكل يومي، أو على مرات متباعدة أسبوعياً، وربما تظهر عليه الأعراض التالية: * فقدان الشهية صباحاً.* الرغبة الشديدة في تناول الطعام بين العشاء وفترة قبل النوم.* الإصابة بالأرق 4-5 ليالي أسبوعياً.* الاعتقاد والإيمان بأن الطعام ضروري للتمكن من النوم أو العودة إلى النوم مجدداً.* الشعور بالاكتئاب وتزيد الحالة سوء ليلاً. التأثير والعلاج تفيد د. عون، أن متلازمة الأكل ليلاً ترتبط بالسمنة، ولكن من غير الواضح أن زيادة الوزن المفرطة هي السبب أو الأثر الناتج عنها، ولكن هناك شيء معروف، ألا وهو أن هذا المرض يحول دون إنقاص الوزن الزائد، فلا تظهر جميع الدراسات أن المريض يأكل أكثر إذا كان يعاني هذه الحالة، ولا يعاني جميع مرضى المتلازمة السمنة أيضاً، إضافة إلى ذلك، فإن مشاكل النوم التي تصاحب متلازمة الأكل ليلاً ربما تساهم في زيادة الوزن، فعندما لا ينام الشخص جيداً، يزداد وزنه بالفعل، ولذلك يمكن أن تساهم كل من مضادات الاكتئاب والعلاج السلوكي المعرفي في علاج هذه الحالة.وعلى الرغم من ذلك، توجد بعض الدراسات التي أجريت على هذه الحالة، واكتشفت دراسة مصغرة أن تمارين الاسترخاء تساعد على تغيير الشهية من المساء إلى الصباح، كما أن هناك العديد من الدراسات على مضادات الاكتئاب، التي أظهرت تحسن حالة تناول الطعام ليلاً، وتحسن المزاج وجودة الحياة أيضاً، كما يمكن تناول الميلاتونين أو الأدوية التي تزيد عملية الأيض، ولكن ينبغي التحدث إلى الطبيب المعالج والمتابعة المستمرة معه. فقدان الشهية العصبي تعد المراهقة أكثر الفترات توتراً في المراحل العمرية للإنسان، كما يمكن أن تؤدى إلى اضطرابات صحية، ويعرف اضطراب فقدان الشهية العصبي، بأنه خوف المراهق من زيادة الوزن المفرطة، والاستمرار في السعي نحو النحافة الشديدة، ينتج عنها ظهور الجسم بصورة غير طبيعية، ويتم تشخيص هذه الحالة مع وجود مؤشر كتلة الجسم أقل من 85%، غياب الحيض عند المراهقات، وتتمثل علامات الإصابة بفقدان الشهية العصبي بالميل إلى تقليل كمية الطعام، وتجنب الدسم، ما ينتج عنه الشعور بالتعب وعدم القدرة على مزاولة الأعمال الاعتيادية اليومية، واضطرابات صحية مختلفة مثل توقف النمو والنضوج وغيرها من التأثيرات السلبية، ولذلك يحتاج علاج هذه الحالات المكوث في المشفى وإعطاء الأغذية الكافية والسعرات الحرارية اللازمة.
مشاركة :