نعيم درويش – منذ احتدام الأزمة بين واشنطن وطهران، لا يمر يوم إلا ونسمع تهديدات عسكرية متبادلة، ويترافق التحشيد العسكري للطرفين مع حرب كلامية ترتفع حدّتها تارة، وتنخفض تارة أخرى. كلا الطرفين يؤكّد أنه لا يريد الحرب، ولا يسعى إليها. ومع ذلك، فكلاهما يقول إنه جاهز لها. وهما يحاولان إيجاد توازن في تحركاتهما، فكلما شعر أي منهما أن التصعيد يقترب من الخطوط الحمراء، أصبح مضطراً للتراجع، وفي المقابل، كلما شعر الطرف الآخر أن التهدئة باتت تُفسّر على أنّها ضعف، وجد نفسه مضطرّاً إلى التصعيد مجدداً. ومن هذا المنطلق، نلحظ تبدلا سريعا في السياسات والتكتيكات المتبعة خلال هذه الأزمة. فسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدف إلى إرغام إيران على التفاوض، والوصول إلى صفقة كبرى معها، ويسعى الرئيس الأميركي الى استنساخ تجربة التفاوض مع كوريا الشمالية لتطبيقها مع إيران، رغم الاختلافات بين الملفين. فقد أعطت التحركات العسكرية الأميركية الانطباع بأن الولايات المتحدة تُعد بالفعل لمواجهة عسكرية. لكن اللهجة الأميركية الحادة، خفتت قليلا، مع إشارات أطلقها ترامب ومسؤولون في إدارته، حول حوار ممكن مع طهران. واعتمد ترامب هذا التكتيك مع كوريا الشمالية، حيث صعّد ضدّها إلى درجة التهديد بمحو بيونغ يانغ من الخريطة، ثم خفف تدريجيا من تهديداته، وصولا إلى فتح باب الحوار مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وهو ما تم بالفعل، وإن تعثّرت المفاوضات. لكن رغم تصريحات ترامب، التي حملت تخفيفاً في اللهجة، سعت واشنطن إلى إبقاء التوتر حياً، عبر زيارة جون بولتون الى المنطقة، على وقع نشر «البنتاغون» مزيداً من الجنود. وتستخدم واشنطن نظرية «الرجل المجنون»، الذي سبق أن ذكرتها القبس، من أجل إرباك النظام الإيراني، ودفعه إلى الاعتقاد بأن ترامب قد يفعل أي شيء، بما في ذلك الحرب، التي تعتقد إيران أنها مستبعدة. ووفق مصدر دبلوماسي مطلع، فإن «واشنطن تراهن على التعب الإيراني من آثار العقوبات الاقتصادية». إستراتيجية المرشد في مقابل التكتيكات الاميركية، نجد ان استراتيجية المرشد الأعلى في ايران علي خامنئي تقوم على سياسة «لا حرب ولا تفاوض»، فتواصل ايران تصعيدها سياسيا وعسكريا و«نوويا»، ردّا على الاجراءات الاميركية، حيث صرح خامنئي والرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، في إطار منسَّق، بأنهم ليسوا مستعدين للتفاوض مع حكومة ترامب. ويرى خامنئي أن استراتيجية الأميركيين «هي ممارسة الضغط بهدف إرهاق الطرف المقابل، ثم يستخدمون التفاوض كمكمّل للضغط، من أجل أن ينالوا مرادهم». وطهران التي اطمأنت إلى محدودية الأهداف الأميركية، مارست «الندية العسكرية»، مهددة بالويل والثبور، وأعلنت ارسال إساطيلها الى المياه الدولية، وهددت باستهداف القوات الاميركية في الخليج، وبإشعال المنطقة وإبادة الجيش الاميركي (كما قال الامين العام لحزب الله حسن نصر الله)، فضلا عن إعلان «الحرس الثوري» عن «سيطرته الكاملة على مضيق هرمز والسفن الحربية الأميركية». وفي مقابل الاستعراضات العسكرية والنووية، اشتدَّت جهود طهران الدبلوماسية، فزار ظريف الهند، وباكستان، وتركمانستان، والعراق، واليابان. كما زار نائبه عباس عراقجي الكويت، وعُمان، وقطر. وتقدَّمت إيران ببعض الاقتراحات، كان أبرزها إبرام معاهدة عدم اعتداء مع دول الخليج. ومن الواضح أن التفاوض بالنسبة إلى الجانب الإيراني يعني إضعافا للنظام، تمهيداً لإسقاطه، وهو يسعى إلى الصمود حتى الانتخابات الأميركية الرئاسية، أو ولوج التفاوض غير المباشر، لكن على أجندة مختلفة عن تلك التي وضعها وزير الخارجية مايك بومبيو في النقاط الـ 12 القاسية. فإيران تريد تغييراً في الاستراتيجية الأميركية في التعامل معها، وليس تغييرا في التكتيكات. وصرح رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني بذلك، حينما قال في وقت سابق: «الصراع بين الولايات المتحدة وإيران ذو طابع استراتيجي، ولا يمكن حله سوى بتغيير في الاستراتيجية، وليس في التكتيكات» وتابع: «إن ظن الأميركيون أنهم يستطيعون مقاربة إيران ذرائعيا، عبر تغيير تكتيكي، فهم مخطئون، الحوار الاستراتيجي شيء مختلف». 3 سيناريوهات ووفق المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، فإن القيادة الايرانية امام 3 سيناريوهات، هي: 1 ــــ المقاومة الطويلة للعقوبات تهدف الى تقليل ضرر العقوبات إلى أقصى الحدود، ولأطول فترة من الزمن، من دون تراجع مواقف النظام تجاه الولايات المتَّحدة. ويلزم لتحقق هذا السيناريو عدم توقف صادرات النّفط الخام ومنتجاته، واللجوء إلى إجراءات تقلِّل نزيف العملة الأجنبية وتقييد الواردات الاستهلاكية. 2 ــــ الثورات الشعبية وفشل الدولة وهذا السيناريو غير واقعي ــ حسب المعهد ــ بسبب قوة النظام، على الرغم من كثرة تناول وسائل الإعلام له. 3 ــــ مقاومة مؤقتة وطلب التفاوض يفترض هذا السيناريو أن يستمرّ صانعو القرار الإيرانيّ في مقاومة العقوبات الأميركيَّة ورفض تقديم تنازلات مؤقَّتاً، قد تمتد لبضعة أشهر، تنتهي باضطرار النِّظام إلى التفاوض مع الولايات لتخفيف الحصار الاقتصادي وتقديم تنازلات من أجل المحافظة على وجود الدولة القائمة. ومن أبرز التنازلات التي تقدمها طهران تحجيم برنامج الصواريخ البالستية، وتقليل دورها العسكري في الإقليم. ووفق المعهد الدولي للدراسات الايرانية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا هو السيناريو الثالث، وهو المقاومة لفترة مؤقتة ثم التفاوض، وستتحدد هذه الفترة تبعا لثبات أو تغير مواقف أهم الحلفاء الدوليين الداعمين لإيران، ودرجة نجاح الإجراءات الإيرانيَّة المضادة للعقوبات، والمراهنة من دون ضمانة حقيقية على تغيير الإدارة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة في 2020 واتباعها نهجا أقلّ حدة في التعامل مع إيران عن نهج ترامب. وفي هذا الاطار توقع مصدر دبلوماسي لـ القبس ألا تستمر ايران طويلا في مسار مقاومة الضغوط الاميركية، وأن تسعى الى الجلوس مجددا الى طاولة المفاوضات، للتوصل الى اتفاق يسمح بفك الطوق عنها، وذلك بعد ان تكون استعرضت أوراق قوّتها كلّها»، مشددا على ان «طهران تسعى حاليا لإقامة نوع من التوازن مع الولايات المتحدة قبل الجلوس الى الطاولة، والتصعيد الحاصل هو لتحقيق هذا التوازن وتجنّب الظهور في حالة ضعف امام الداخل والخارج». وحذّر المصدر من ان أي حسابات خاطئة من قبل ايران قائلا: «توغل ايران في استخدام اوراقها واذرعها العسكرية قد يؤدي الى صدام عسكري مباشر، رغما عن رغبة الطرفين، ويكون مدمرا لطهران بالدرجة الاولى».
مشاركة :