قال البنك المركزي الروسي إن القطاع المصرفي الوطني يبقى عرضة للتأثر بعوامل داخلية وخارجية، تشكل معاً نقاط ضعف، أو مخاطر رئيسية يواجهها، وذلك على الرغم من أنه تجاوز المرحلة الأكثر تعقيداً من عملية «إنعاشه وتنظيفه». وفي تقرير شهري حول «الاستقرار المالي»، قال «المركزي» إن مناعة المنظومة المالية الروسية تعززت منذ خريف العام الماضي، إلا أنها لا تزال تعاني من نقاط ضعف تتصل بمخاطر داخلية وأخرى خارجية، قد تعلن عن نفسها بحال مواجهة ظروف غير متوقعة. ويقترح التقرير جملة تدابير للحد من هذه المخاطر، منها، على سبيل المثال، الدعوة إلى تقليص حصة المستثمرين الأجانب في الدين العام، مقابل زيادة حصة المستثمرين المحليين، فضلاً عن تدابير أخرى، حسب نوع المخاطر وطبيعتها.في تقريره حول «الاستقرار المالي»، قال «المركزي» الروسي إن تباطؤ الاقتصاد العالمي واحد من المخاطر الرئيسية بالنسبة للمنظومة المالية الروسية، موضحاً أن البنوك المركزية في الاقتصادات الرائدة عالمياً عدلت، باتجاه التخفيض، توقعاتها لمعدل النمو الاقتصادي عام 2019. وفي المرتبة الثانية على قائمة المخاطر الخارجية يشير التقرير إلى «عدم الوضوح في سياسة البنوك المركزية الغربية في مجال سعر الفائدة»، لافتاً إلى أن هذا الأمر يلعب دوراً رئيسياً في تدفق رؤوس الأموال إلى ومن السوق الروسية. وحسب التقرير، فإن قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، في الربع الأول من العام، بعدم رفع سعر الفائدة، أدى إلى هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.ويُضاف الوضع الجيوسياسي، بما في ذلك العقوبات والحروب الاقتصادية، إلى جملة المخاطر الخارجية التي يرى «المركزي» أنها تهدد استقرار الاقتصاد الروسي. وأشار بصورة خاصة إلى الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، والتأثير المحتمل لعملية «بريكست» على استقرار أسواق المال، دون أن يسقط من حساباته تداعيات تطورات الأزمات حول إيران وفنزويلا، نظرا لتأثيرها على أسعار النفط عالمياً، وهو ما سينعكس بصورة مباشرة على الاقتصاد الروسي، الذي تشكل أسعار النفط عاملا حاسما بالنسبة له. وإلى جانب ما سبق تبقى العقوبات الأميركية ضد روسيا حاضرة على قائمة المخاطر.ومع عدم تقليله من شأنها، يرى «المركزي» أن الاقتصاد الروسي أثبت قدرته على الاستقرار في مواجهة الصدمات الخارجية، وركز في الوقت ذاته بصورة أكبر على ما وصفها بنقاط ضعف داخلية، قد تتحول إلى مخاطر جدية. هذا ما عبرت عنه كسينيا يودايفا، نائبة مديرة «المركزي»، في تصريحات أخيراً أكدت فيها «زيادة استقرار الاقتصاد الروسي أمام التحديات الخارجية خلال السنوات الماضية»، بفضل جملة عوامل منها تدني مستوى الدين الخارجي، وفائض الميزانية، وحذرت في الوقت ذاته: «لدينا نقاط ضعف داخلية، قد تتحول في ظل الوضع الحالي إلى مخاطر». ونقطة الضعف الأكثر خطورة هي عدم نمو الدخل الحقيقي للمواطنين مقابل نمو قروض التجزئة بوتيرة متسارعة، أي نمو عبء ديون المواطنين.وتشير التقارير الرسمية إلى أن الوتيرة السنوية لنمو عبء الديون بلغت حالياً معدل 24.3 في المائة عن القروض غير المضمونة، و24.7 في المائة عن الرهن العقاري. في الوقت ذاته تشير بيانات رسمية إلى عدم نمو دخل المواطنين، ولهذا نما عبء الديون عن القروض غير المضمونة (نسبة المدفوعات الشهرية عن القرض إلى دخل الأسرة) من 7.1 حتى 8.1 في المائة خلال عام 2018. وحذرت يودايفا من احتمال نمو العبء حتى 9 في المائة إن لم يتمكن «المركزي» من التأثير على الوضع في هذا المجال، في إشارة منها إلى النمو القياسي لعبء الديون بنسبة 9 في المائة، الذي سُجل صيف عام 2014.النقطة الثانية التي تثير قلق «المركزي» هي نمو حصة العملات الصعبة في أصول والتزامات المصارف الروسية، وكذلك زيادة حصة المستثمرين الأجانب (غير المقيمين) من سندات الدين العام. إذ سجلت حسابات المواطنين المصرفية بالعملات الصعبة نمواً منذ مطلع العام الحالي من 20.3 حتى 21.5 في المائة، فضلاً عن ذلك عاد المستثمرون الأجانب إلى سوق السندات الروسية منذ مطلع العام الحالي، بعد هروبهم منها العام الماضي. وخلال الفترة يناير (كانون الثاني) - فبراير (شباط)، نمت حصتهم في سندات الدين العام من 24.4 حتى 26.7 في المائة.وأكدت يودايفا أن حصة المستثمرين الأجانب في سندات الدين العام ارتفعت نهاية شهر مايو (أيار) الماضي حتى 29.4 في المائة، ومصدر التهديد في زيادة هذه الحصة يعود وفق ما يرى «المركزي» إلى التأثير السلبي على الاستقرار المالي في روسيا، الذي قد ينجم عن هروب رؤوس الأموال الأجنبية في السوق الروسية، بحال طرأت ظروف مثل فرض حزمة جديدة من العقوبات. لهذا واستباقاً لأي تطورات محتملة، يرى خبراء «المركزي» أن زيادة حصة المستثمرين المحليين من شأنه التخفيف من تلك التهديدات، نظراً لأن رؤوس المال المحلية أقل عرضة للتأثر بالعقوبات، أو أي مخاطر خارجية أخرى.في سياق متصل، بوضع المنظومة المالية الروسية، قالت إلفيرا نابيولينا، مديرة البنك المركزي الروسي إن المرحلة الأكثر تعقيداً في عملية تنظيف القطاع المصرفي تم تجاوزها، لكن الأمر لم يمضِ دون «ثمن»، وأشارت إلى خسائر تحملها «المركزي» خلال عمليات تمويل المصارف التي كانت تواجه مشكلات، بلغت قيمتها 436.4 مليار روبل، موضحة أن جزءاً من هذه الخسائر يتصل بعمليات ضخ مبالغ كبيرة ضمن ما وصفته بـ«عمليات إعادة تأهيل البنوك».
مشاركة :