القاهرة: «الخليج» قال إيفند يونسون (29 يوليو 1900 - 25 أغسطس 1976)، وهو روائي سويدي ينتمي إلى الطبقة العاملة، وصار في عام 1957عضواً في الأكاديمية السويدية التي منحته جائزة نوبل عام 1974 بالمشاركة مع هاري مارتينسون: «أنا ليبرالي، لكني كنت أملك مشاعر تعاطف قوية مع الاشتراكيين الفوضويين في فترات متقدمة من حياتي، وعلى الأخص في العشرينات، وبداية الثلاثينات، وفي مطلع شبابي كنت ضمن جماعة الاشتراكيين الشباب، وقد قرأت كثيراً في الخامسة عشرة من عمري لكوربوتكين (1842-1921 باحث في الطبيعة وفوضوي روسي وخصم للبلاشفة) وأنا الآن لا أعتقد بالنظرية الفوضوية حول التغيير الاجتماعي، فذلك لم يعد ممكناً، ولم يعد ممكنا على الإطلاق إحداث تغييرات في المجتمع من دون أن تعمل الإنسانية- من خلال الإدارة الحكيمة للمجتمع- على تحرير المجتمع من العنف والقهر الموجود في البلدان الشيوعية والفاشية، أنا لا أعرف إن كنا سنصل إلى ذلك الهدف أم لا، لكن الطريق إلى ذلك طويل جداً لا ريب». كان طبيعياً بعد هذا أن يلقى يونسون انتقاداً حاداً من اليمين واليسار، فقد هاجمه اليساريون في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد أحداث المجر، وبسبب مواقفه المؤيدة للغرب وميوله المعادية للتسلط، واتهموه بأنه جزء من الحرب الباردة، أما اليمينيون فوجهوا إليه نقداً شديداً بسبب مواقفه المعادية للحرب، وتضييق حرية التعبير، وبسبب ماضيه الاشتراكي، وعند اختياره لنيل جائزة نوبل أشعلوا الدنيا بالنقد الجارح، ما أفسد عليه الأشهر المتبقية له في الحياة. ولد إيفند يونسون في عائلة فقيرة، كان والده عاملاً، جاء إلى شمال السويد مع إنشاء خطوط قطارات الشمال، وفي الرابعة من عمره عاش مع مجموعة من أقاربه بعد مرض والده حتى العاشرة من عمره، وفي الرابعة عشرة خرج إلى سوق العمل، وعمل في مجالات متنوعة: في قطع ونقل الأخشاب عبر المياه، وفي أفران الطوب، وبائعاً للمأكولات في دار للسينما، وقد رصد بعض هذه الأحداث في رباعيته «أولوف»، وهي سيرة ذاتية روائية. انتقل «يونسون» إلى استوكهولم في عام 1919 للعمل والدراسة، وكان قرأ هوميروس في غرفة تشغيل آلة العرض السينمائي، وفي انتظار الحصول على عمل، كتب بعض القصص القصيرة والقصائد، وفي مذكراته يصف تلك الفترة بأنه لم يكن يعتقد أن العيش بواسطة الأدب أمر مستحب، وكان يشعر حينما باع نتاجاته الأولى، كما لو أنه خدع الآخرين، وباع لهم حبرا على ورق، وقد التحق آنذاك بجماعة «الشباب الاشتراكي» الذين التفوا حول جريدة «الحريق» لسان حال الاتجاه الفوضوي، وبعد فترة من البطالة والعمل، غادر على متن باخرة إلى ألمانيا. عاش يونسون في ألمانيا وفرنسا وسويسرا وبريطانيا، وعمل مراسلاً صحفياً، لكنه اضطر للعمل في غسل الأواني في أحد الفنادق، وقد سجل هذه التجارب في رواياته: «حكاية رومانسية»، و«جريان الزمن»، و«مدينة في نور»، وقد كتب الأخيرة في باريس متناولا معاناة مؤلف شاب يعيش اليوم الوطني الفرنسي (14 يوليو) وهو ينتظر ضائعاً جائعاً، رسالة من وطنه، تمنحه ثمن الطعام، وتنقذه من الجوع. وفي ظل صعود الأفكار النازية ظهرت قصصه المعادية للحرب والفاشية، وصورت الحرب الأهلية في إسبانيا، التي مثلت نهاية المرحلة الأولى من تطوره الفني والفكري، التي ساد فيها اللون الاجتماعي والنقد، وعقب ذلك دخل في مرحلة جديدة تتمثل في العودة إلى الجذور من خلال السيرة الشخصية. لم يكن يونسون بعيداً عن الأحداث السياسية والصراعات الإنسانية التي كانت تدور في عصره، فقد تشبعت أعماله الروائية بتلك المكونات وتركت أثراً في كل الاتجاهات، حتى أصبحت أعماله مرآة لأوروبا لمن أراد أن يتعرف إلى تفاصيل لم تتناولها كتب التاريخ، حيث تحتل أوروبا مكانة كبرى في حياته وإبداعه، وكان انتقاله من أقصى شمال بلاده إلى ستوكهولم خطوة للاقتراب من القارة الأوروبية، وتحقق حلمه حينما سافر على ظهر باخرة إلى ألمانيا وهو في الحادية والعشرين من عمره، ثم تنقل بعد ذلك بين عدة دول أوروبية. لم تكن أوروبا بالنسبة إليه مكاناً للإقامة، وإنما كانت مسرحاً لأعماله الأدبية، وقد وصلت أفكاره إلى ذروتها في دعوته إلى قيام منطقة أوروبية موحدة ثقافياً واقتصادياً، وسياسياً، وفي مقال له نشر سنة 1962 تحت عنوان «الشمال وأوروبا» حكى فيه أنه قبل خمسين سنة كان جالسا في زيورخ مع أحد أبرز شعراء النرويج، الذي تساءل عن حلم أن تكون بريطانيا، أو فرنسا، أو بلجيكا، أو الشمال مجرد كانتونات في اتحاد واسع، وهو الحلم الذي تحقق مع إطلاق الاتحاد الأوروبي. في روايته «الأمواج المتكسرة» استلهم يونسون «الأوديسة» لهوميروس، وصاغ منها رواية معاصرة أكد فيها على دائرية الزمن وتكرار التاريخ، وفي فترة تزامنت مع بدايات الحرب الباردة تراجع إنتاجه الأدبي، واتهمه اليسار بالتعاطف مع أمريكا، غير أنه عاود الكتابة من جديد ونشر رواية «أيام سعادته» التي حلل فيها ما يواجهه الإنسان من مصاعب في السلم والحرب، وكان لها الدور الأكبر في منحه جائزة نوبل، وقد طغت عليه في آخر سنوات حياته روح التشاؤم؛ ما ظهر في «بضع خطوات نحو الصمت». بدأ «يونسون» مسيرته الإبداعية بمجموعة قصصية بعنوان «الغرباء الأربعة» وانتقل بعد ذلك إلى كتابة الرواية، وكان أول عمل روائي له بعنوان«في الذاكرة» ثم توالت الأعمال الروائية من أهمها «وداعاً لهملت»، و«أولوف»، وتجاوزت مؤلفاته الثلاثين رواية، وفي عام 1933 نشر روايته «مطر في الفجر» وفي عام 1943 كتب أضخم أعماله الروائية «كريلون.. رواية عن الممكن» وقد اعتبرها كثيرون المعادل لرواية جيمس جويس، «يولسيس»، حيث حاول أن يقدم فيها صورة شديدة الصدق عن بشر تلك الفترة.
مشاركة :