على رغم أن ما عصف بكركوك قبل نحو عامين، في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، من أحداث مؤسفة وما تلاها وترتب عليها، كان بالدرجة الأولى بفعل تداعيات قرار الاستفتاء غير الحكيم والاعتباطي، بل والمزاجي - الشخصي من قبل السيد مسعود بارزاني رئيس "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، إلا أن ذلك لا يعني أي تبرير أو تسويغ للخطوات الأُحادية، ومحاولات إعادة إنتاج سياسات التعريب والاضطهاد القومي في حق أكراد كركوك، وهو ما بدا واضحاً إثر إعادة بسط بغداد سيطرتها الإدارية والعسكرية على المدينة الواقعة في صلب المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بإزالة آثار الإجراءات "البعثية" والتعريبية لمناطق كردية واسعة ومفاعليها. علماً أن عدم تطبيق تلك المادة، التي تقع في صميم الدستور العراقي، لا يعني البتة انتفائها وسقوطها بالتقادم. وبعيداً من نظرية المؤامرة، إلا أن تسلسل الأحداث يكشف أن أبرز ما كان يهدف إليه القيمون على الاستفتاء ومن يقف خلفهم، هو خلخلة الاستقرار وواقع القوى والأحجام السياسية والديموغرافية في المناطق الكردية المُستقطعة والمُعربة، وفي مقدمها كركوك. وبالتالي تعريض تلك المناطق لخضات وقلاقل تقود إلى إعادة إفراز التعريب الممنهج وممارساته، والإيغال في فرض أمر واقع البتر والاقتطاع و/أو التسبب بحرب أهلية عربية – كردية، لاسيما وأن اليد الطولى جماهيرياً في كركوك هي لـ "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي تُعتبر المحافظة تاريخياً، وبلغة الأرقام الانتخابية، معقلاً له. وهذا ما يفسر إيغال الحزب المُنافس أي "الديموقراطي الكردستاني" في سياسة حافة الهاوية، ومحاولة الزج بها في متاهات الحرب والتدمير وإشعال الفتن، خاصة وأننا نتحدث عن مدينة تُعد بمثابة عراق مُصغر، وتعيش حساسيات تاريخية قومية ومذهبية متماسة مع ملفات واعتبارات إقليمية عابرة لحدود العراق. وعلى رغم المقاومة التي أبدتها قوات "البيشمركة" التابعة لـ "الاتحاد الوطني الكردستاني" إبان هجوم القوات الحكومية على المدينة بُعيد إجراء الاستفتاء، إلا أن القرار الحكيم بوقف القتال والانسحاب، عبّر عن عقلانية وحس بالمسؤولية، ما سحب البساط من تحت المراهنين على نشوب حرب مدمرة لم تكن نيرانها لتقف عند تخوم كركوك. وبعيداً من الخطاب القوموي الغوغائي والمتهور الذي كان ينفخ فيه "الديموقراطي الكردستاني"، متهماً "الاتحاد الوطني" بالخيانة وتسليم كركوك، كان في الوقت ذاته يُسلم بغداد المناطق الخاضعة لنفوذه تباعاً بدءاً من مخمور وصولاً إلى زمار وشنكال... بعد التداعيات الكارثية لما سبق ذكره على كردستان وخاصة على كركوك وطوزخورماتو وغيرها، ومع سياسته المُتوازنة الهادفة إلى إعادة تطبيع الوضع في المدينة، عمل "الاتحاد الوطني" على امتصاص التشنجات والتوترات، ومعالجة المشاكل بالمنطق والاحتكام إلى الدستور وإلى قوة الحق، لاسيما الحق الانتخابي، إذ أتت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة في محافظة كركوك في نيسان (أبريل) الماضي، بمثابة استفتاء شعبي كركوكي، أثبت مرة أخرى تصدر "الاتحاد"، حاصداً حصة الأسد، على رغم حملات التخوين والاستهداف التي تعرض لها من "الديموقراطي الكردستاني" وجوقته الإعلامية، ومن القوى الشوفينية والعنصرية المعادية للأكراد ليس في العراق فقط، بل حتى على الصعيد الإقليمي. ولعل المواقف التركية المحتجة على انتصار الأكراد الانتخابي العارم في محافظة كركوك خير مثال على ذلك. هكذا، وطيلة عام ونيف، يواصل "الديموقراطي الكردستاني" سياساته التوتيرية المُريبة في كركوك، بدءاً من مقاطعته الانتخابات فيها بحجة أنها "مُحتلة"، وكأن المناطق الكردية في نينوى (الموصل) لا تخضع للاحتلال ذاته، وصولا ً إلى عرقلة انتخاب محافظ كردي للمدينة، يضاف إلى ذلك الخطاب التخويني العدائي حيال "الاتحاد" واعتماد توصيف "خيانة 16 أكتوبر" في وسائل إعلام "الديموقراطي"، التي تحاول عبر ذلك التغطية على مغامرة الاستفتاء الفاشلة وتحميل وزر عواقبها الوخيمة للغير. * كاتب كردي.
مشاركة :