نواصل تحليل الأركان الاستراتيجية في “عاصفة الحزم”. والمنطلق الآن هو من ترتيبنا للأخطار التي تُحدد بدرجاتها درجات الالتزام من قبل أعضاء الحلف بالنفس الطويل والتضحيات التي ستتطلبها هذه الحرب. فهي حرب مطاولة وليست حرب مناجزة بخلاف ما يظن الكثير : لن تقتصر على المعركة الجوية بل لا بد من أن تصاحبها وتتبعها معركة أرضية. إذ هي لا تقتصر على استرداد الشرعية في اليمن بل هي بداية درء الخطر الداهم على بلد الحرمين أولا وعلى الخليج ثانيا وعلى كل الإسلام السني أخيرا بهدف تحقيق آخر مراحل غزو الوطن العربي من قبل قوتين إقليميتين تقاسمتا الدور في هذه العملية : إيران وإسرائيل مع التظاهر بالعداء لاستغفال الشعوب أولا وبعض القيادات ثانيا. لذلك فيمكن للمهمة المتعلقة باستعادة الشرعية في اليمن أن تكون معركة دفاعية فتقتصر على إضعاف الحوثي وصالح وتمكين الشرعية من استرداد الدولة ومقدراتها. لكن ذلك لن يحسم المشكل ما ظل الحوثيون أقوياء على حدود بلد الحرمين : وهنا لا بد من أن تكون الحرب هجومية للقضاء بصورة نهائية وحاسمة على هذه القوة المليشياوية التي يمكن أن تخوض حرب استنزاف ترهق القوة العربية الوحيدة المتبقية حاليا للصمود أمام الغزو الفارسي والإسرائيلي. والفرق بين الحوثية وصالح أن معركة الأولى عقدية ومعركة الثاني سياسية انتهازية. ليس له عقيدة يدافع عنها: همه الكرسي. وإذن فتطميعه سهل. أما الحوثية فهي معركة لا تحسمها إلا إبادة المشروع بصورة نهائية أذرعا (مليشيات إيران العربية) ومصدرا (إيران). تلك هي العلل التي تجعلني اعتبر نفسي مجاهدا حتى وإن كنت بعيدا عن الجبهة ببدني لكني في أتونها بروحي لأنها هي المعركة الحاسمة بسبب تأخر العرب في فهم الأخطار التي بقيت أربعة عقود أنبه إليها وكنت ربما أول من فضح هذه الخطة الإيرانية الإسرائيلية حتى قبل ما يسمى بالثورة الخمينية. لكن القيادات السياسية والثقافية انطلى على الكثير منها-وأعرف الكثير من الصحفيين العرب تحولوا إلى أبواق لحزب الله وإيران عن قناعة أو لأن قلوبهم ألفت بما يغير المواقف الله أعلم- دجل حزب الله فظنوه مقاوما لإسرائيل وهو في الحقيقة مقاوم للاستئناف السني ومعه الطائفيتين الأخريين : طائفية الأقليات الدينية وطائفة الأقليات العرقية وطائفة الأقليات الحداثية وتلك هي أصناف الطائفية الثلاثة التي تحكم البلاد العربية وتحالفت مع إيران وإسرائيل لمنع شعوب السنة من حكم نفسها بنفسها ومن ثم من استئناف دور الأمة التاريخي الكوني. فقرات العلاج منفصلة لبيان البنية المنطقية سبق أن صنفنا في بحث متقدم درجات الخطر ومقدار الالتزام بالعمل على رده التزام المتحالفين بصورة تنازلية: 1-بلد الحرمين 2-اليمن 3-بعض الخليج 4-بعض سنة العرب 5-بعض السنة عامة. والسؤال هو: ماذا يترتب على ذلك في تحديد أوليات الحرب عند أطراف الحلف؟ أي ما الذي ينبغي التركيز عليه أولا؟لا أتكلم على بدهيات الحرب ومنطق الفعل الحربي : مثل ضرورة البدء بالأسس (الاستعلام والاتصالات والمواصلات ومراكز القيادة) بل غرضي هو الكلام على رتب الخطر. التي يحددها المعيار السياسي المعتمد على ترتيب الأخطار والمصالح وعلى الدراية بالتاريخ. فبدهيات الحرب الأساسية تتعلق بتقوية الذات وتوحيدها وبإضعاف العدو وتشتيت صفه معنويا وماديا قبل خوضها وهو مدلول الآية 60 من الأنفال. ومعنويا أشرنا إلى شروط توحيد صفنا وتشتيت صف العدو بعد أن صنفنا مكوناته ما ييسر العمل على ما بينها من فروق. وماديا نحن ولله الحمد أقوياء وينبغي ضرب جهاز قوته العصبي خلال المعركة بالاعتماد على ضربه قبلها بفضل ما لدينا من علم بأحواله. وخلال المعركة لا بد من ضرب كل ما ييسر حركة المعلومة وحركة القوة العسكرية عتادا وعديدا. وهذا لا يحتاج إلى التنويه لذلك لن نطيل الكلام عليه : فالعسكريون أدرى به مني. لكن الأمر الأهم هو ترتيب الأخطار وهذه مسألة سياسية تاريخية لا يكفي فيها العلاج العسكري. 1-وأولها حسم الخيار حول ارض المعركة فلا بد من منع نقل المعركة إلى أرض الحلف. وجعلها هجومية لتكون على أرض العدو. فالعدو سيركز على خط التماس بين البلدين ليخيف الحلف ويثير التوجس الشعبي. 2-ثم سيركز العدو على أطراف اليمن البحرية للإيهام بأن سنده الإيراني ما يزال فعالا وبأن الإمداد متواصل. 3-وهو ثالثا سيركز على توزيع قواته لإطالة مدة الحرب بجعلها استنزافية 4-ثم هو سيركز على الاندساس في الشعب لتشويه الحملة بعدد الضحايا المدنيين. 5- وأخيرا فهو سيحاول شق الصف بما سيحاوله حليفه الإيراني من تخويف لبعض أعضاء الحلف المجاورين له بالمناورات العسكرية والعنتريات. لذلك فلا بد من تحقيق غايتين لحربين في آن واحد وهما حربان مختلفتان من حيث التعليل والدوافع ويمكن ضمن الأولى لدبلوماسية الثانية حتى يسهل القيام بها دون حاجة لحملة دبلوماسية ثانية عسيرة التحقيق لعسر الإقناع بها بسبب خفاء عللها: 1-محق تام لقوة العدو على حدود السعودية بحرب هجومية لا ترد الفعل على ما يظهر من محاولات بل بإزالة الخطر بصورة نهائية : ولا توجد مناسبة أفضل للجمع بين حربين أولاهما تنهي قضية الخطر على الحدود نهائيا والمنصة التي تنصبها إيران للسيطرة على الخليج والثانية لاسترداد شرعية الدولة اليمينة. 2-منع المدد الممكن لاحقا 3-منع الانتشار لتجنب الاستنزاف 4-منع الاندساس بين المدنيين لتجنب التشويه 5-تثبيت نواة الحلف لوحدته بالوصل بين المصالح المنتظرة والأخطار المشتركة. والمعلوم أن التركيز على الحدود السعودية بصورة هجومية ماحقة سيضطر العدو للتقليل من الانتشار فضلا عن كونه سيحدث انقساما بين صالح والحوثيين لاختلاف الهدف: فالخطر في هذه الحالة يمسهم هم أكثر من صالح الذي لا يكون الأمر متعلقا به بل هو قد يعتبر ذلك فرصة تمكنه من تفاهم ممكن مع الحلف ليبقى. ومن الدهاء إيهامه بأن ذلك ممكن حتى يمزق صفه وعزل الخطر الأكبر على السعودية وإذا لزم الأمر فلا بأس من قبول حل معه ثم التعامل معه لاحقا: الحوثية ودورها في استراتيجية إيران (نفس سياسة حزب الله في لبنان والشام). والتركيز على منع المدد ليس رادعا للحوثيين ماديا إذ هم ليسوا الآن بحاجة لمدد بعد أن استولوا على عتاد الجيش-بل هو رادع معنويا : إذ هو سيفقدهم الاعتداد بقوة إيران وبقدرتها على إمدادهم عندما يصبحون في حاجة. والتركيز على منع الانتشار لا يتمثل في الجري وراءه -فذلك يضعف الحملة-بل في قطع الأوصال التي تجعل الانتشار عامل ضعف لا عامل قوة فيستسلموا. ثم إن التركيز على الحدود مع السعودية سيجبرهم على التجمع بدل الانتشار لحاجتهم إلى نجدة صعدة موطنهم. أما منع الاندساس في المدنيين فهذه مهمة القبائل ومن بقي من الجيش مواليا للشرعية تجبنا للوقوع في ما يحقق هدف العدو: كثرة الضحايا المدنيين لتشويه الحملة. لكن معضلة المعضلات لا تكمن في كل ما بينا وهو من بديهيات الحروب بل هي المحافظة على وحدة صف المتحالفين: فلا ينبغي أن نغتر بالمظاهر. فالأنظمة العربية في الأغلب تقدم الثأر من الحزازات الداخلية على التصدي للأعداء. وهذا هو قدم أخيل العربي: فالعربي الناكص للجاهلية ينسى عدوان الأجنبي ولا ينسى الثأر من أخيه حتى لو أدى ذلك إلى أن يستسلم بعدها للعدو. وتاريخ الأدب العربي يمجد شاعرا ويعتبره من الكبار ذهب إلى فارس طلبا للعون من أجل ثأر بين القبائل. ولسوء الحظ فما يزال فينا الكثير من رذائل الجاهلية: فنحن أشداء على بعضنا رحماء بالكفار بعكس ما يأمرنا به القرآن.عصبية العرب المذمومة. وقد ذكرت هذا الهدف أعني تثبيت نواة الحلف في الأخير رغم أنه الهدف الأول في كل حرب لأنه يتعلق بتحديد قوة الفاعل : وهو سياسي خلقي وليس حربيا. أخرت متانة الحلف للغاية لأنها بحاجة إلى تحليل أعمق: فدرجات الخطر التي صنفت بها درجات الالتزام في الحرب هي ما لا بد من تدبره بعمق وحكمة. وفيها لا بد من معرفة طبيعة العلاقة العميقة بين أطراف الحلف ودرجة فهمها للخطر ومدى استعدادها لمواصلة الجهد. فالخطر مباشر بالنسبة إلى السعودية وهو غير مباشر بالنسبة إلى البقية بدرجات متوالية. والمعلوم أن الأقرب للخطر يكون أكثر التزاما: والمشكل كيف يلتزم الأبعد من دون أن يدرك أن المسافة تصبح واحدة بمجرد تركه الأقرب للخطر يسقط فيصبح هو الأقرب؟ من هنا ضرورة بيان تسلسل النتائج حتى يدرك الأبعد أنه ليس بمأمن لأنه سيكون الأقرب بعد المتقدم عليه في درجة الخطر المقدر بالقرب من العدو: فكل خسران لجبهة فتح للتي تليها. وهذا الكلام يتعلق بوعي القيادات السياسية التي تبني الخطة العسكرية على بيان مصالح الاطراف المشاركة في إنجازها: الالتزام بقدر المصلحة مع عدم إهمال تسلسل الرتب في القرب والبعد من الخطر الذي هو واحد إذا فهمنا هذه العلاقة بين المباشر وغير المباشر من الأخطار. ولأضرب مثالا يمكن من الاستفادة ممن عاش الخطر بحق وصار أعلم من غيره به: فلو فرضنا أن الحملة بحاجة لمزيد من الجند ذي الخبرة يكون أفضل من يمكن الاستعانة بهم هم المقاوم من جند العراق وجند سوريا : فهؤلاء فضلا عن التمكن العسكري لهم الدافع العقدي والفكري والتجربة مع العدو الواحد. ولاضرب مثالا ثانيا: ولو افترضنا الحملة بحاجة لمختصين في الحرب الشعبية فإن أفضل من يمكن الاعتماد عليهم هم من شاركوا في تحرير أوطانهم بها وجلهم من المغرب العربي بدءا بعمر المختار إلى عبد القادر الجزائري والأمير المغربي. وأخيرا: فإن كلامي على كل هذه الأمور علته أني واثق بأن الحرب ستطول وأنها ستصبح حرب استنزاف كما بينت من البداية لأن العدو المباشر وغير المباشر عاجز عن المناجزة ويعلم أنه في الحقيقة أضعف من العرب بل وحتى من الخليج وحده. وقد سبق أن بينت أن المعركة ليست بين السنة والشيعة ولا بين العرب والفرس على العموم بل هي في الحقيقة غاية ما وصل إليه صدام حضاري داخلي في الأمة العربية نفسها ما جعلها تصبح أكثر هشاشة ممن يحيط بها من أصحاب المطامع في ما ورثته ماديا وروحيا. فقد بينت أن مصدر الخطر هو حلف بين ثلاث طوائف عربية يجمع بينها الحرب على الإسلام عامة والإسلام السني خاصة ولا إسلام عداه في الحقيقة. وهذه الطوائف هي: شظايا الدولة الفاطمية وبقايا الاحتلال الصليبي ورزايا الاحتلال الغربي الحديث. فهم متحالفون مع الغازيين الإيراني والإسرائيلي. ويمثل الغازيان الماضي الذي يريد أن يثأر لذاته من سنة الإسلام والحاضر الغربي الذي يريد منع سنة الإسلام من الاستئناف: إيران وإسرائيل. وقد تقاسم الغازيان تفتيت مراكز القوة العربية في العراق والشام ومصر بهدف السيطرة على الإقليم واغتنام ثروة العرب المادية والروحية : وهم الآن يشعرون بأنهم يخوضون المعركة الاخيرة التي تفصلهم عن الهدف : الامبراطورية الفارسية الصهيونية. ومن هنا تأتي أهمية معركة اليمن الحالية ودلالة عاصفة الحزم. فهي تشير إلى أن الغازيين يقتربان من الغاية إذ هما أنهيا العراق والشام ومصر. لكنها تشير كذلك إلى أن بلد الحرمين وقياداته الشابة أدركت بعمق أهمية المعركة فبادرت بها وهي تعلم أن الشعب العربي كله معها حتى بعد الخطأ الاستراتيجي الذي كاد يجعل بلد الحرمين حليفا لأعدى أعداء الأمة : الخونة أي هذه الطوائف الثلاث التي تحارب الإسلام وثورة العرب. والعدوان إيران وإسرائيل لم ينهيا القوى العربية الثلاثة أي العراق وسوريا ومصر بل هما جعلاهم في خدمتهما بتوسط المليشيات العربية العسكرية والفكرية التي أصبحت أذرعا إيرانية إيجابا وإسرائيلية سلبا: دعاية المقاومة للمغالطة. ودافعي في هذه التحليلات هو بيان أهمية المعركة في غاية استراتيجية العدوين اللذين يريدان تقاسم الوطن العربي لكونه قد صار بين أيدي ورثة متقاعسين في حمايته. لكن العاصفة بداية طيبة لتدارك الأمر وهي إذن بداية وستطول حتما. لذلك خصصت لها جل وقتي ولو كنت عسكريا وشابا لتطوعت للمشاركة فيها. لذلك فأملي وطيد في أن أهل الحل والعقد في المعركة سياسيا وعسكريا مدركون لهذه المعاني وعلى كل فإن ما يحركني هو واجبي الخلقي والديني. فخلقيا لو لا قدر الله فشلت عاصفة الحزم فعلى العرب السلام: ذلك أننا تأخرنا في الفهم والعمل ولم نتحرك إلا في غاية المعركة ومن ثم فالحركة ستكون عسيرة والرهان كبيرا لكن الله منَّ على من يقودها بشرطي القوة المادية (الثروة) والروحية (التراث). ودينيا لو أن إيران نجحت في معركة اليمن فإنها ستقضي على السنة وتُشيّع كل الوطن العربي بعد أن تكون قد ابتلعت العراق والشام وستناوش السعودية من اليمن ومن العراق بل من كل جهات الجزيرة العربية برا وبحرا وجوا. والأخطر من ذلك كله هو أن قيادات الخيانة في جيش مصر ستكون رديفا للغازيين مثلما أن الطائفية بأصنافها الثلاثة رديف لهم بمليشياتها العسكرية والفكرية: ذلك أنهما يطمعان مرتزقة السيسي بأن لهم نصيبا من الغنيمة. فالملك الصالح سلمان والقيادات الشابة معه يجدون أنفسهم أمام حمل أثقل من مجرد المعركة العسكرية: كيف يستردون مدد شعبي عربي بدل ما وجدوه من اعتماد على قائد خائن كاد يغالطهم كما غالط قيادات بلده الشرعية فخانهم؟ طبيعة الحرب الجارية ورهاناتها شعب مصر واليمن والعراق وسوريا وليبيا وتونس هم الضمانة الحقيقية في هذه المعركة التاريخية لاالسيسي أو صالح .أو حفتر: الشعوب مع الحرمين. فهذه الحرب مديدة وهي حرب مطاولة لا حرب مناجزة: اعتماد الحرمين وقياداتها الشابة على شعوب الأمة هو الاستراتيجية الكفيلة بهزيمة الغازييْن. لكن بلد الحرمين ليس مركز الوطن العربي وحده بل هو مركز دار الإسلام. لذلك فالحلف لا بد أن يتضمن تركيا وباكستان لردع إيران والتفرغ للمعركة مع أذيالها. مجموعة د عبد العزيز قاسم
مشاركة :