حزب البريكست على عتبة البرلمان: "انقلاب" في السياسة البريطانية

  • 6/7/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يتطلّع حزب البريكست، الذي أسسه في يناير الماضي السياسي الشعبوي نايجل فاراج الفائز الأكبر بالانتخابات الأوروبية في المملكة المتحدة، إلى الدخول هذه المرة إلى برلمان وستمنستر، في خطوة يخشى كثيرون أن تتحقق، مثلما حقق فاراج “مفاجأة” البريكست في يونيو 2016، وأن تخلخل نتائجها السياسة البريطانية وتكون معضلة كبيرة جديدة خصوصا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يطرق حزب البريكست أبواب البرلمان البريطاني عبر الانتخابات الفرعية التي أقيمت الخميس في بيتربورو (شرق بريطانيا)، وفوز الحزب لن يكون أمرا غريبا بالنظر إلى ما حققه في الانتخابات الأوروبية، وما طرأ على بريطانيا منذ حملة استفتاء الانفصال في 2016، والتي كشفت عن تحولات كثيرة طرأت على المجتمع البريطاني وتداعيات ذلك على الحياة السياسية. يقول الناشط البريطاني المحافظ غرابم آرتشر إن تفكيك الرموز والعلامات أصبح أمرا مهما لتشخيص الحالة السياسية الراهنة في المملكة المتحدة. ولا شك في أن ذلك التشخيص سيقود إلى استيعاب أسباب التغييرات التي تدفع بنايجل فاراج إلى الحديث بثقة كبيرة عن “انقلاب” قد تشهده قريبا الحياة السياسية في بريطانيا. قال فاراج، الذي يحلم بالإطاحة بالثنائية الحزبية في بريطانيا، خلال زيارة إلى بيتربورو لدعم مرشحه مايك غريني، إنّ “الهيكل السياسي الحاكم تضعضع نتيجة ما حصل” في الانتخابات الأوروبية. وأضاف إنه “يوم السادس من يونيو، احتفالات كبرى تجرى في نورماندي”. وقال: “لكن في بيتربورو، هناك نوع آخر من يوم الإنزال. إنه يوم الديمقراطية”. وأوضح فاراج، المؤيد لقطيعة صريحة مع الاتحاد الأوروبي، أن الانتخابات الفرعية في بيتربورو “فرصة لكتابة الفصل المقبل من هذه القصة الطويلة”. وأضاف أنها “فرصتنا من أجل وضع أحد الأشخاص من حزب بريكست، شخص يؤمن فعليا بتحقيق نتيجة ذلك الاستفتاء في البرلمان”، في إشارة إلى الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي صوت فيه لصالح الخروج 52 بالمئة من الناخبين حديث فاراج عن “الانتخابات الفرصة” مرده أساسا أن مدينة بيتربورو صوّتت في 2016 بنسبة 62 بالمئة لصالح الانفصال مع أوروبا، ويمكن أن تصنع الفارق اليوم في البرلمان البريطاني. تنعقد الانتخابات الفرعية بعد عزل النائبة عن حزب العمّال فيونا اوناسانيا، التي تم عزلها في بداية مايو إثر تقديم ناخبي الدائرة عريضة بالخصوص. ووقّع نحو 28 بالمئة من الناخبين وثيقة تطالب بطردها، متخطين عتبة الـ10 بالمئة الضرورية للمطالبة بإسقاط نائب. وفازت فيونا أوناسانيا بمقعد المدينة في انتخابات 2017 التشريعية، هازمة المحافظين بـ607 أصوات فقط، لكنها أصبحت لاحقا أول نائب يُعزَل استنادا إلى هذه الآلية التي استحدثتها عام 2015 حكومة رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون. وارتكز الناخبون على واقع بقاء أوناسانيا في منصبها برغم إدانتها في يناير بعرقلة العدالة إثر ادعائها أنّ شخصا آخر كان يقود سيارتها في يوليو 2018 والتي جرى رصدها متجاوزة السرعة المسموح بها. وبرغم أنّ حزبها، حزب العمّال، فصلها، غير أنّ المحامية بقيت في منصبها بصفتها مستقلة. مجتمع منقسمإذا كان حزب البريكست يعوّل على الاستفادة من فوزه بالانتخابات الأوروبية لكسب هذا التحدّي، فإنّه يراهن أيضا على الشعور المناهض بشدة للاتحاد الأوروبي، وحالة الاضطراب العميقة التي يعيشها المجتمع البريطاني مع تصاعد الانقسام بين جيل الشباب، المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وجيل أكبر سنا يشعر بأنه متروك وأن النخب خانته؛ جيل أقلقته العولمة والاتفاقات العابرة للحدود الدولية التي يعتبرها تهديدا ونمت في داخله فوبيا الهجرة وتأثيراتها الواسعة. ويلخّص تقرير لشبكة “سي.أن.أن” هذا الوضع من خلال التركيز على سكان بلدة «ويلن هول» في وسط إنكلترا. تبعُد هذه البلدة الصغيرة 15 ميلا شمال غرب برمنغهام في منطقة بلاك كانتري بإنكلترا. عرفت «ويلن هول» بأنها مركز صناعة الأقفال البريطانية، التي كانت تتطلب مهارات تتوارثها الأجيال ويعمل بها الآلاف من الأشخاص، لكن، هذه الصناعة اندثرت، عندما أصبح استيرادها أرخص وأغلقت العديد من الشركات. تقع البلدة في منطقة والسال، وتعد بدورها واحدة من المناطق الأكثر حرمانا في إنكلترا، إذ يُعاني سُكانها من تدهور في الصحة وارتفاع مُعدّلات البطالة مقارنة بالمناطق الأخرى من البلاد. وصوَّتت بنسبة 67 بالمئة لمُغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء البريكست عام 2016.وذكر تقرير “سي.أن.أن” أن البريكست عزّز الانقسامات القديمة في جميع أنحاء المجتمع البريطاني، وزادت الفروق على أساس الطبقة والعُمر والقيم والجغرافيا. ونقلت الشبكة الأميركية عن ويل جينينجز، أستاذ العلوم السياسية والسياسة العامة بجامعة ساوثهامبتون، قوله إنَّ هذه الانقسامات باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى. وعزا ذلك إلى أنَ لندن لا تزال تُهيمن على المملكة المتحدة، فضلا عن أنّ المدن الصناعية البريطانية، التي يتركّز العديد منها في وسط وشمال البلاد، وجدت صعوبة في التكيّف بعد التراجع الاقتصادي والديموغرافي طويل المدى. وشبَّه جينينجز الاختلاف بين المدن الرئيسية والمدن الأصغر في بريطانيا بالفروق العمرية الكبيرة بين سكانها، مشيرا إلى أنه على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، شاخت المدن الإنكليزية الصغيرة، في حين أصبحت مدن أخرى أكثر شبابا وأصغر سنا مع انتقال الشباب ذوي الخبرات والمؤهّلات المهنية إليها. ويقول المحلل مارك ج. دونكيلمان “لقد تغير شيء ما بشكل جوهري في أساس المجتمع، في كيفية ارتباطنا ببعضنا البعض. الحقيقة هي أنه لا يمكنك توقع عمل المؤسسات التي كانت موجودة وعملت بشكل جيد في سياق واحد من المجتمع بنفس الفعالية والكفاءة عندما تتبدل الأرض من تحت أرجلهم”. وهذا ما يراهن عليه الشعبويون واليمين المتشدد في بريطانيا لاستقطاب الناخبين مروجين لفكرة أن وجود حزبين للتناوب على الحكم في بريطانيا للمحافظين والعمال يجب أن تنتهي، وأن الطريقة القديمة لإدارة الأمور لم تعد تعمل بشكل جيد. وتبدو فرص هؤلاء جيدة لتحريض البريطانيين في هذا الاتجاه، مستغلين شلل المفاوضات بخصوص البريكست وحالة التشتت والضعف التي تسببت بها، وتأثيراتها على الطبقة الحزبية التقليدية (المحافظون والعمال) وفي ظل غياب تأثير الأحزاب الأخرى على الحزب الديمقراطي الذي شارك مع المحافظين في حكومة مشتركة مع رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، الذي استقال بعد التصويت لصالح البريكست، والذي لم يعد يحظ إلا بدعم محدود. تراجع الأحزاب التقليديةعشية الانتخابات الفرعية، توقعت الاستطلاعات أن يحقق حزب البريكست نتيجة جيدة في بيتربورو إذ منحته الاستطلاعات نسبة 38 بالمئة، متقدّما على حزب العمّال (17 بالمئة)، يليهما الوسطيون المؤيدون للاتحاد الأوروبي (15 بالمئة)، فيما يتقاسم المحافظون مع حزب الخضر المرتبة الرابعة بنسبة 11 بالمئة، ما يعني أن الأحزاب التقليدية فقدت جزءا من قاعدتها خارج المدن الكبرى. وكان حزب البريكست تصدّر الانتخابات الأوروبية التي أقيمت في نهاية شهر مايو، حاصدا 31.6 بالمئة من الأصوات. واحتل حزب المحافظين الذي تدخل استقالة زعيمته رئيسة الوزراء تيريزا ماي حيّز التنفيذ الجمعة، المرتبة الخامسة المحرجة (9 بالمئة)، وذلك بفعل تصويت عقابي للناخبين سببه التأخير في تنفيذ البريكست الذي كان مقررا في 29 مارس ثم جرى تأجيله إلى 31 أكتوبر. وكتبت مراسلة صحيفة لا ليبيراسيون الفرنسية، في لندن، سونيا دلسال-ستوبلر، قائلة إن حزب البريكست “يجتاح” المحافظين والعمّال، فيما قال جورج باركر في صحيفة الفاينانشيل تايمز إن حزب البريكست يزرع الفوضى في النظام السياسي في المملكة المتحدة. ويقول كنان مالك، الكاتب في صحيفة الغادريان، “اليوم ، تبدو السياسة البريطانية فوضوية وجامدة في نفس الوقت. على الرغم من الكوارث التي واجهها حزب المحافظين، لم يتمكن حزب العمال من الاستفادة من الأوضاع. إن بريطانيا مقسمة اجتماعيا ومشلولة سياسيا. نتيجة لذلك، زاد التدهور السياسي في أهميّة هذه الإشارات. لم يتبق لنا غيرها، وهي التي نحوم حولها“. وكشفت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن طبقة سياسية مجزأة لا تحمل الكثير من الأفكار الفعّالة وتبدو غير قادرة على إدارة المملكة المتحدة، الأمر الذي يقوي فرص الشعبويين ويعقد طريق الخروج من الاتحاد الأوروبي ويؤثر على المشهد السياسي في البلاد ككل

مشاركة :