اعتمدت الدراما العربية وخاصة المصرية لسنوات في إنتاجاتها على الأدب، واستندت بشكل خاص على الروايات المصرية التي كان من أهمها روايات نجيب محفوظ، لما يمتلكه الكاتب من حس درامي نكاد معه نرى الشخصيات ونسمع أصواتها، وأثبتت هذه التجربة لسنوات نجاحها في أعمال كثيرة لدرجة أن المخرج محمد ياسين أعاد التجربة في العام 2006 مع مسلسل “أفراح القبة” المقتبس من مجموعة أعمال للكاتب نجيب محفوظ، تم توليفها مجتمعة لبناء عمل درامي. في رمضان هذا العام تخوض الدراما السورية تجربة مماثلة، فتعود إلى نص أدبي روائي لتنهل منه عملا دراميا، فتستند إلى رواية للأديب الأردني الفلسطيني الأصل جمال ناجي بعنوان “عندما تشيخ الذئاب” صدرت طبعتها عن وزارة الثقافة في الأردن عام 2005، وأعيدت طباعتها للمرة الثانية من قبل الدار العربية للعلوم ناشرون في العام 2010، لتحولها إلى عمل درامي كتب الحوار والسيناريو له حازم سليمان بينما أخرجه عامر فهد وعرض على شاشة تلفزيون أبوظبي.صحيح أن تحويل رواية أدبية إلى سيناريو تلفزيوني يبدو أسهل بكثير من كتابة نص درامي جديد، لكنه في الوقت عينه يضع على عاتق كاتب السيناريو حملا كبيرا في خلق تفاصيل درامية وشخصيات من لحم ودم، لتكون الرواية صالحة لعمل تلفزيوني من ثلاثين حلقة لا يشبه الرواية كجنس أدبي، والأهم من ذلك أن تكون الرواية صالحة زمنيا ومكانيا لعمل درامي عربي، لكن رواية عندما تشيخ الذئاب التي رشحت في العام 2010 ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، والتي تدور أحداثها في الأردن، أثبتت بالدليل القاطع أنها واحدة من الروايات اللينة والمطواعة التي يمكن إسقاطها على أي مجتمع عربي وليس فقط المجتمع السوري، وذلك نظراً إلى التشابه الكبير في روح المجتمعات العربية اجتماعياً وسياسيا واقتصاديا. تدور أحداث مسلسل “عندما تشيخ الذئاب” حول قضايا متعلقة بالمجتمع السوري من خلال رجال الدين من أصحاب العقيدة الذين فرضوا تدريجياً سطوتهم على المجتمع والسلطة، مقابل التيار اليساري الذي يدعي المبادئ ويسعى إلى الحصول على موضع قدم من الناحيتين الاجتماعية والسياسية. ورغم أن العمل الدرامي لا يشير بشكل مباشر إلى الزمن الذي تجري فيه الأحداث، فإن الرواية على العكس من ذلك تنوه إلى الزمن الذي بات فيه الخلاف قائماً ما بين اليسار واليمين المتطرف تحديداً في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، متمثلاً بشخصية الشيخ عبدالحميد الجنزير والذي يلعب دوره (سلوم حداد) والشيوعي جبران الذي يلعب دوره (عابد فهد)، حيث يقول الجنزير في الرواية مخاطبا جبران “خلصني، كنا نلعب يسار يمين، فمن الذي ربح المباراة؟ أنتم ربحتم ونحن خسرنا، ولكن المباراة لم تنته بعد، لننتظر ما الذي سيحدث لعالمنا بعد انتصاركم وشركائكم في أميركا”. وتحسب لصنّاع العمل أنها المرة الأولى التي تقدم فيه الحارة الدمشقية القديمة منذ سنوات الأزمة، حيث تدور أكثر من نصف أحداث المسلسل فيها بتلك الصورة النقية والحقيقية، بعد أن كانت بعض الأعمال الدرامية السورية وفي مقدمتها مسلسل “باب الحارة” تصور لسنوات البيئة والحارة الدمشقية على أنها متخلفة تظلم المرأة وبعيدة كل البعد عن الواقع، رغم أن العمل أظهر بعضاً من تلك الجوانب دون تكريسها. إضافة إلى ذلك استطاع كاتب السيناريو بحرفية عالية إعطاء المساحات لبعض الأحداث والشخوص العابرة في الرواية، ليجعل منها كساء درامياً مكملاً للعمل وليس مقحماً عليه، فأظهر شخصية الجليلة والدة عزام وشقيقة جبران والتي تأتي على ذكرها بعض شخصيات الرواية على اعتبارها شخصية مفصلية في حياتهم لعبت دورها (سمر سامي)، وشخصية والد سندس التي لعبها الفنان (أيمن رضا) بجديه واهتمام واضحين، ورابعة زوجة جبران التي تؤدي دورها ميسون أبوأسعد، وشخصية أم عمران (سوسن أبوعفار) التي يعتمد عليها الشيخ الجنزير كمرسال له عند النساء.كما نجد شخصية أم صهيب زوجة الجنزير تلعب دورها (مريم علي) التي تأتي الرواية على ذكرها، وكلها شخصيات غير محورية في الرواية لكنها باتت من لحم ودم في العمل الدرامي، بالإضافة إلى ذلك احتفظ العمل بأسماء أبطال الرواية التي قسمت إلى العشرات من الفصول عنونت بأسماء شخوصها التي تسرد بصيغة الراوي قصصها مع الآخرين بشكل متقاطع ومنفرد، بحيث تكتمل لدينا كقراء الجوانب الكاملة للشخصيات والأحداث. الاختلاف الوحيد ما بين الرواية والعمل الدرامي جاء من طبيعة الرواية كجنس أدبي يفرض اختيارات المؤلف في موضع الثقل لشخصيات دون غيرها، عن تلك التي ينتقيها كاتب السيناريو أو المخرج لتكون مركز الثقل في العمل الدرامي، فالرواية تبدأ بسندس كبطله أساسية لها والمحرك الرئيسي لمصائر أبطالها، في حين تأتي هذه الشخصية في العمل التلفزيوني في الدرجة الثالثة أو الرابعة كثقل درامي، لعبت دورها الممثلة الشابة (هيا مرعشلي). وتأتي شخصية رباح والد عزمي وزوج الجليلة وسندس لاحقاً بالدرجة الأولى أيضاً من الأهمية في الرواية، بينما يتراجع وجودها في العمل الدرامي إلى الدرجة الرابعة أو حتى الخامسة ويلعب دورها بجدارة الفنان (علي كريم)، وشخصية عزمي التي يلعب دورها الممثل الشاب (أنس طيارة) بتمكن عال، تليه في الرواية كل من شخصية جبران الذي يمثل التيار الليبرالي، والشيخ عبدالجليل الذي يمثل الجانب الديني بكل هالته السياسية والاجتماعية وحتى التربوية، بينما في العمل الدرامي يعتبران حجر الأساس والمحور الرئيسي للعمل، ويبدو ذلك جلياً حتى من أفيش العمل الذي اكتفى بهما. وبذلك تؤكد تجربه الاعتماد على الأدب وخاصة الرواية نجاحها في الدراما، وهي تجربة يجب أن لا تمر مرور الكرام وعلينا أخذها بعين الاعتبار في الأعمال الدرامية القادمة.
مشاركة :