في أول جمعة بعد عيد الفطر، احتشد آلاف المتظاهرين الجزائريين في العاصمة ومدن عدة في أنحاء البلاد، تعبيراً عن رفضهم لخارطة الطريق التي اقترحتها السلطات الانتقالية، وللمطالبة برحيل من تبقى من رموز النظام السابق. وكان الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، دعا أمس الخميس، الطبقة السياسية والمجتمع المدني إلى "حوار من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال"، وذلك بعد إعلان المجلس الدستوري استحالة إجراء الانتخابات في الرابع من يوليو القادم، وأعلن عن استمراره في منصبه حتى انتخاب رئيس جديد. وجاء الرد الشعبي معاكسا وقوّيا على هذه الدعوة، عبر مشاركة قياسية للمتظاهرين، في الأسبوع 16 للحراك الشعبي المتواصل منذ 22 فبراير الماضي، للتعبير عن رفضهم استمرار بن صالح في منصبه والمطالبة برحيل كل رموز النظام السابق، قبل القبول بأي حوار مع السلطة. وأظهرت صور ومقاطع فيديو، تجمّع المتظاهرون في أبرز الشوارع المحيطة بالبريد المركزي بعد قرار السلطات غلق ساحة البريد، وسط تعزيزات أمنية غير مسبوقة وحضور مكثّف للشرطة، بعد حملة تعبئة قادها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بعد خطاب بن صالح، تدعو إلى النزول للشوارع، تنديدا بتعنّت السلطة وعدم استجابتها لمطالب الحراك. ورفع المحتجون الأعلام الوطنية وصورا لشهداء ثورة التحرير، وشعارات " لا انتخابات قبل رحيل العصابة" في إشارة إلى رفض مطلق لإجراء الانتخابات قبل تنّحي الباءات الثلاثة، ولافتات تطالب بدولة مدنية وبتطبيق المادة 7 من الدستور الجزائري، التي تنص على أن "الشعب مصدر كل السلطات". وتتعارض مطالب الحراك الشعبي مع موقف السلطة، التي تصرّ على إجراء الانتخابات الرئاسية كخيار لحل الأزمة السياسية وعدم الدخول في مرحلة انتقالية، كما تتمسك ببقاء الباءات الثلاثة على رأس السلطة، وهي الخارطة التي يرفضها العديد من الجزائريين وجزء من الطبقة السياسية، الذين يشترطون تغييرا جذريا للنظام، وهو ما ضاعف من المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد، منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وبدأ عشرات المتظاهرين في التوافد على ساحة البريد المركزي وسط العاصمة الجزائرية، وسط تعزيزات أمنية مشددة. التظاهرات تأتي بعد دعوة الرئيس الجزائري المؤقت الجزائريين إلى الحوار وتغليب الحكمة من أجل التوصل إلى مسار توافقي، لإجراء انتخابات نزيهة في أقرب وقت، كما أكد أنه باق في منصبه إلى غاية انتخاب رئيس جديد، وهي أمور أكد المحتجون الجزائريون رفضهم لها خلال تظاهرات سابقة. وعلى خلاف ما كان متوقعاً من مضمون خطاب رئيس الدولة، غابت التنازلات التي كانت منتظرة لتهدئة الشارع المستعد لاحتضان التظاهرات الجديدة اليوم. دعوة قائد أركان الجيش الأخيرة إلى تقديم تنازلات لإنجاح الحوار، فتحت نقاشاً موسعاً انتهى إلى شبه إجماع لدى كثير من السياسيين والنشطاء بضرورة رحيل الوزير الأول نورالدين بدوي وحكومته، مع الإبقاء على عبدالقادر بن صالح في منصبه، لكن شيئاً من ذلك لم يرد في خطاب رئيس الدولة. تمسك السلطة المؤقتة بخارطة طريق يرفضها قطاع واسع من الجزائريين، وإصرار الشارع على مواصلة التظاهر حتى تحقيق كافة مطالبه، يعيدان الأزمة وفق معارضين إلى مربعها الأول ويدفعان نحو إطالتها.
مشاركة :