عاد الزخم الشعبي إلى الحراك الجزائري ضد السلطة، في أول جمعة بعد انقضاء شهر رمضان، ليعبر المحتجون عن رفضهم لأي انتخابات أو حوار سياسي مع السلطة، بل شددوا على ضرورة رحيل بقايا النظام الموروث من حقبة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وصدح المتظاهرون في العاصمة وفي مختلف مدن ومحافظات الجمهورية، بشعارات مناوئة للرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، وقائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، وبشكل أقل رئيس الوزراء نورالدين بدوي، على غرار “جيش شعب.. خاوة خاوة (إخوة، إخوة ) وقايد صالح مع الخونة” و”لا حوار لا انتخابات مع العصابات”. وشكّل هذا الموقف ضربة قاصمة لدعوة عبدالقادر بن صالح لفتح حوار سياسي مع جميع القوى الفاعلة في المجتمع، يسمح بالذهاب لانتخابات رئاسية جديدة، بعد استحالة تلك التي كانت مقررة في الرابع من يوليو القادم، الأمر الذي سيمثل فشلا مبكرا للسلطة في التعاطي مع فعاليات الحراك الشعبي الذي دخل شهره الرابع، ويؤجل الحلول المأمولة للخروج من المأزق. ووصف ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي، خطاب بن صالح، بـ”المخيب” وبـ”المناورة” كونه جاء مفرغا من الآمال التي علقت عليه، لتقديم عرض سياسي جاد وناجع للأزمة، واعتبروه “مكملا لتوجهات قيادة المؤسسة العسكرية التي تتمسك بمقاربة حل الأزمة في إطار التدابير الدستورية، وعدم تقديم أي من التنازلات المطلوبة، كرحيل الباءات المتبقية (بن صالح وبدوي). التناغم الواضح بين الجيش و المؤسسات الانتقالية، يوحي بأن السلطة لا زالت بصدد المناورة لاستنساخ النظام السياسي بآليات جديدة وقال بن صالح في خطابه “إن هذه المرحلة الجديدة هي حقا فرصة ثمينة لتوطيد الثقة وحشد القوى الوطنية لبناء توافق واسع حول كافة القضايا المتعلقة بالجانب التشريعي والتنظيمي والهيكلي لهذه الانتخابات، وكذلك ميكانزمات الرقابة والإشراف عليها”. وأضاف “لذا فإني أدعو الطبقة السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية وكل الغيورين على وطننا ومصيره إلى اختيار سبيل الحوار الشامل وصولا إلى المشاركة في رسم معالم طريق المسار التوافقي، الذي ستعكف الدولة على تنظيمه في أقرب الآجال، معالم خارطة طريق مهمتها المساعدة على تنظيم الاقتراع الرئاسي المقبل في جو من التوافق والسكينة والانسجام “. ولفت إلى أن “بلدنا بحاجة إلى إصلاحات وإلى رسم آفاق جديدة في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذلك هو المبتغى الذي عبر ويعبر عنه شعبنا بطريقة واضحة وسلمية”. وتابع “هنالك أيضا رهانات وتحديات أخرى عديدة وصعبة تنتظر بلدنا الذي يحتاج إلى حشد كل القوى الحية التي بداخله، ويبقى يقيني راسخا بأن رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطيا هو وحده الذي يتمتع بالثقة والشرعية اللازمتين لإطلاق هذه الإصلاحات والمساهمة في رفع التحديات التي تواجه أمتنا”. ويرى مراقبون للشأن الجزائري، أن التناغم الواضح بين توجهات المؤسسة العسكرية وبين خطاب المؤسسات الانتقالية، يوحي بأن السلطة القائمة لا زالت بصدد المناورة لاستنساخ النظام السياسي بصفات وآليات جديدة، وأن الدعوة التي سبق للجنرال قايد صالح، أن وجهها لفتح حوار سياسي في كلمة له في بحر الأسبوع الماضي، تأكدت في خطاب عبدالقادر بن صالح، رغم أن مطالب الشارع واضحة وصريحة بشأن تنحي الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء. وكما رافع قايد صالح لفائدة حل الأزمة في إطار المقاربة الدستورية، رغم استحالة تجسيدها ميدانيا، شدد خطاب رئيس الدولة على الاستمرار في منصبه إلى غاية تنظيم انتخابات رئاسية، طبقا للقراءة الدستورية التي أعلن عنها المجلس الدستوري خلال الأسبوع الماضي، وهو ما يشكل استفزازا صريحا للشارع وتأليبا له ضد أي طرح يقترح من طرف السلطة.وقال بن صالح في هذا الشأن “إن الذهاب إلى تنظيم انتخابات رئاسية في آجال مقبولة، دونما إضاعة للوقت، هي السبيل الأنجع والأوحد سياسيا والأكثر عقلانية ديمقراطيا، وأن الوقت ثمين، لذا أهيب بالجميع أن يتفادوا تضييعه والانصراف إلى العمل الجاد الذي من شأنه المساعدة على التوصل إلى إيجاد صيغ الحلول التوافقية الكفيلة بتنظيم انتخابات رئاسية نزيهة وفي أجواء تنافسية شفافة “. وأضاف “أوجه ندائي هذا أيضا إلى كل أصحاب النوايا الحسنة، أولئك الذين يحبون وطنهم ويتفانون في خدمته وكل من آمن بالهبة الجماعية والعقلانية التي تعرفها الساحة الوطنية، أولئك الذين يرفضون كافة أشكال الإقصاء والمغامرة خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل الوطن”. ولئن كانت المطالبة بتنحية الرئيس بن صالح، والجنرال قايد صالح، في صدارة الشعارات المناهضة للسلطة، فإن الدولة المدنية والتغيير الشامل شكلا الثابت الأبرز في احتجاجات الجمعة السادسة عشرة من عمر الحراك الشعبي في الجزائر، حيث أجمع المتظاهرون في مختلف مدن البلاد، على رفض حكم العسكر.
مشاركة :