عادة ما تهدف العطلات للاسترخاء والمرح، وينجذب خلالها السياح إلى الأشياء الجميلة مثل الشواطئ الخلابة والمناظر الطبيعية الممتدة على مساحات واسعة والمباني التاريخية، لكن هناك مجموعة أخرى من الأشخاص لا تريد زيارة الأماكن الرائعة خلال عطلاتها، بل تستمتع بزيارة واكتشاف المناطق المخيفة والمظلمة والخطرة والتي لها ماض مرعب. ويعرف هذه النوع من السياحة بـ”السياحة المظلمة”، وهي مستمدة من الكلمة اليونانية القديمة “تاناتوس”، التي تعني تجسيد الموت، وتعني السياحة المظلمة “الذهاب إلى أماكن الموت والكوارث الطبيعية بغرض السياحة”. ورغم أن السياحة المظلمة موجودة وقائمة منذ العصور الوسطى، حيث كان الناس يحرصون على حضور عمليات الإعدام العامة، إلا أن أول توثيق لهذا النوع من السياحة جاء عام 1988 في كتاب للسفر باسم “الأعياد في الجحيم”، أما الاهتمام الأكاديمي بالمصطلح، فقد بدأ عام 1996 في اسكتلندا على يد عضوين من هيئة التدريس في جامعة غلاسكو هما جون لينون ومالكولم فولي في 1996، ويشير المصطلح في معناه الأوسع إلى زيارة أماكن الدمار والموت. وفي عام 2005، تم تأسيس معهد بحوث السياحة المظلمة في جامعة لانكشاير البريطانية، وفي 2014 ظهرت العديد من الدراسات حول التصنيفات الفرعية للسياحة المظلمة مثل “سياحة الهولوكوست”. وقال العالم اللغوي بيتر هوهنهاوس، “السمات المظلمة من التاريخ والبشرية ببساطة ممتعة”، مضيفا، أن المغامرة والإثارة وعدم توقع ما سيحدث هي من الأسباب التي دفعته للاستمرار في الذهاب إلى أماكن سياحية مظلمة، بل على العكس، أصبح من بين الذين يكرسون حياتهم لها، فقد أنفق أموالا ووقتا وجهدا من أجل نشرها عبر موقعه الإلكتروني الذي يحتوي على معلومات ومقاصد محتملة للأشخاص الذين يفكرون مثله. وزار هوهنهاوس نحو 700 موقع مدرجا على قائمة السياحة السوداء في 90 دولة ويدير موقعا إلكترونيا في هذا الشأن. سياحة الحروب والكوارثتشتمل السياحة المظلمة على عدة فروع وأنواع، منها سياحة الكوارث، سواء الطبيعية أو التي تسبب فيها الإنسان، كالمناطق المحيطة بالبراكين وأنقاض البلاد التي تعرضت للفيضانات، أو المناطق التي شهدت كارثة نووية كزيارة الموقع المحيط بانفجار محطة تشرنوبيل النووية في 1986. وهناك أيضا سياحة الحروب، وهي الرحلات الترفيهية التي يزور فيها السائح مناطق الحرب النشطة أو السابقة من أجل مشاهدة المعالم السياحية أو الدراسة التاريخية، وتشمل سياحة الحرب زيارة المواقع التي شهدت معارك حربية تاريخية أو حديثة، ومقابر الجنود والمتاحف الحربية. و في بورصة برلين للسياحة التي تعد أهم وأكبر المعارض السياحية الدولية، لوحظ تزايد ظهور هذا النوع من السياحة التي تركزت في سوريا وأفغانستان والسودان واليمن، حيث تستغل الهيئات السياحية في هذه الدول انتشار المغرمين بسياحة المغامرة للترويج لمناطقها السياحية. وبحسب شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، يستمر السودان في تقديم صور مغرية للحياة البرية والتاريخ ومن خلال البحر الأحمر والتراث والحرف اليدوية على الرغم من العنف المستمر فيه. وتظل فنزويلا التي تعاني حاليا من فوضى سياسية واقتصادية وإنسانية، جهة سفر لا بد من زيارتها في أميركا اللاتينية، ودعا إلى زيارتها منظمو رحلات السفر خلال معرض برلين بمجموعة من الملصقات الترويجية. حتى أفغانستان التي يسيطر عليها المشهد الدموي، روّج لها بعض منظمي الرحلات السياحية خلال المعرض، ومنهم، “انتايمد بوردرز”، التي قامت بتنظيم 35 رحلة في عام 2018 إلى أفغانستان، كما ساعدت في تنظيم ماراثون أفغانستان، الحدث الرياضي الوحيد في الدولة الذي يشارك فيه الرجال والسيدات معا، فضلا عن تنظيمها رحلات ثقافية إلى مناطق مثل كابول وحرات ومزار وواخان، وأخرى إلى وادي بانجشير الشهير بجباله الرائعة وقراه الغريبة. يستمر مجلس السياحة السوري في تشجيع السياح على زيارة البلد للانغماس في موارد الدولة الطبيعية والأثرية، ومعارض الفنون الجميلة، وجمالها الشاطئي، حتى أنه تم تدشين هشتاغ “سوريا دائما جميلة” عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ويتم من خلاله الترويج للفنادق والمطاعم السورية. وحتى اليمن الذي أعلنت الأمم المتحدة أنه يعاني من الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، لا تزال أبوابه مفتوحة أمام الزوار من أنحاء العالم. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني لـ”فوكس نيوز”، قال أحد المرشدين السياحيين من شركة “إيزي يمن تورز”، إنه من الممكن زيارة اليمن والاستمتاع بالكثير من المناطق الأثرية به مثل جزيرة “سقطرى” القديمة. كما تحاول ليبيا أيضا الترويج للسياحة فيها ولأهمية معالمها المميزة وشاطئها الممتد على البحر المتوسط وصحرائها الشاسعة. وفي الفترة الأخيرة، بدأ العراق في الترويج للسياحة الدينية خصوصا في الجزء الجنوبي منه، حيث مساجد النجف وكربلاء. في المقابل يقول تيم هنتشل، الرئيس التنفيذي لموقع الحجز الجماعي “هوتيل بلانر”، “لا نشجع هذا النوع من السياحة، على الرغم من أننا نحصل على طلبات للسفر إلى هذه الجهات”. وأوضح أن المسافرين الذين يحاولون تجربة هذا النوع من السياحة يعرضون أنفسهم إلى المخاطر، فضلا عن تعريض حياة الجنود الذين سيحاولون مساعدتهم إذا تم احتجازهم، للخطر. لكن في ظل هذه الظروف الطاحنة، تسعى حكومات هذه الدول إلى الاعتماد على السياحة، مستغلة الأهوال التي وقعت على أراضيها لإنقاذ اقتصادها من الغرق. جدل أخلاقي واجه السياحة المظلمة كثيرا من الانتقادات وخاصة سياحة الغيتو التي تُعنى بزيارة المناطق العشوائية أو الفقيرة، والتي بدأت من زيارة الأحياء الفقيرة في لندن في القرن الـ19، وأصبحت في الوقت الحالي منتشرة أكثر في جنوب أفريقيا والهند والبرازيل وبولندا وكينيا والفلبين والمناطق الفقيرة في الولايات المتحدة. يقول بعض الأدلاء السياحيين ممن لا يحبذون هذا النوع من السياحة، إن السياحة المظلمة ما هي إلا أمر بشع، يعتمد على استغلال المعاناة الإنسانية واستغلال ثقافات شعوب فقيرة بل وعقائدها أيضا، لتحويل كل هذا إلى تسلية رخيصة شبه مجانية بالنسبة للأغنياء الذين يزورون تلك المناطق للسخرية منها وتدنيس كل أماكن المآسي أو للضحك والشعور بالإثارة إثر اشتراكهم في عبور أحد الشوارع الخطرة أو المشاركة في طقس من طقوس الذبح عند بعض القبائل الأفريقية. لكن يعتبر هذا سوء فهم بالنسبة لأنصار السياحة المظلمة، فهذا النوع من السياحة يحدث بشكل مختلف وبعيدا عن النوع الكلاسيكي للسياحة المتعارف عليها بين الناس. ويبدو أن الدافع وراء زيارة هذه المناطق هو التوق للقاء الموت والشعور بخطى الأرواح وأنفاسها ومحاولة تخيّل اللامعقول، حيث إن التأثير العاطفي الذي يستهوي الفرد حين يزور مثل هذه المواقع يتجسد بخلق الذكريات المأساوية التي مر بها أفراد المنطقة والتجاوب معها نفسيا وعقليا. سياحة التعافي يرى الباحث ماكسيميليانو كوستاني، أن “السياحة المظلمة يمكن أن تعمل كوسيلة للقدرة على التكيف، مما يساعد المجتمع على التعافي من كارثة طبيعية أو كارثة بشرية، وهو شكل من أشكال تدجين الموت في عالم علماني”. وأحد الأسباب التي قد يختار الأشخاص بناء عليها زيارة مثل هذه المواقع هو المواجهة التي تقدمها لكوابيسهم، حسبما يقول هوهنهاوس على موقعه الإلكتروني، “إنها تجعلهم يفكرون في كيف سيتصرفون خلال حدوث كارثة”.ويرفض هوهنهاوس فكرة أن السياحة المظلمة شكل من أشكال الترويج للفضائح، ويتبنى نهجا سياحيا محترما ومستنيرا عن الأماكن “السوداء”، فعلى سبيل المثال، السياحة السوداء يجب ألا تشمل جولات إلى الأحياء الفقيرة في مناطق الأزمات والمصابين نتيجة الحروب أو الكوارث الطبيعية. ويضيف، “في رأيي، هذا شيء مختلف بشكل جوهري، لأنه ليس مرتبطا ببؤس تاريخي مضى، بل بآخر لا يزال يحدث”. ويقول، إنه عندما يكون هناك شيء ما في الماضي انقضى منذ فترة طويلة، فإنه يصبح أقل إشكالية، من حيث العاطفة، وكذلك من الناحية الثقافية والسياسية. ويردف بالقول، “من وجهة نظر أخلاقية، يصبح الأمر صعبا للغاية في ما يتعلق بالكوارث التي حدثت للتو”، مشيرا إلى أمثلة على ذلك، كارثة برج غرينفيل في لندن أو غرق سفينة الرحلات كوستا كونكورديا قبالة سواحل إيطاليا. ويضيف، “لا يمكن إنكار أن هناك هواة سياحة مظلمة من النوع السيء، حيث إنهم، على سبيل المثال، لا يتصرفون بشكل مناسب في الأماكن التذكارية الخاصة بمعسكرات التعذيب والاعتقال”، مضيفا، أن هاوي السياحة المظلمة المهتم بشدة بوجهته سيبحث مسبقا وبشكل جيد عن المكان الذي يقصده. ويقول فيليب ستون وهو باحث في معهد السياحة السوداء وهو الأول من نوعه في العالم في جامعة سنترال لانكشاير إن السياحة السوداء نوع من “الترشيح الاجتماعي” بين الحياة والموت. ورغم هذا الجدل المتصاعد حول جدوى السياحة المظلمة يتزايد عدد المقبلين عليها، كما يتزايد عدد الشركات والدول التي تروج لها خاصة في صفوف الشباب والطلبةن فهي سياحة غير مكلفة مقارنة بسياحة الرفاهية والفنادق الفاخرة. كما ان هذا النوع من السياحة يحتاج إلى روح المغامرة لذلك يقبل عليها الشباب المتأثر بافلام الرعب والباحث عن الحركة والادرينالين.
مشاركة :