قال تقرير لبنك الكويت الوطني إن الدولار الأميركي الذي يتسم بأداء مرن تعرض لضغوط هائلة خلال الأسبوع الماضي. فبعد ارتفاعه إلى أعلى مستوياته في عام وصولاً إلى 98.371 في مايو الماضي، تراجع مؤشر الدولار منذ ذلك الحين بحدة منخفضاً إلى مستوى 96.450. وأضاف التقرير: تشير العمليات البيعية إلى أول المؤشرات الواضحة لبداية اتباع الدولار لمسار تراجعي في إطار استجابته لتوقعات خفض الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة. فحتى وقت قريب، اتسم الدولار الأميركي بأداء مرن تجاه انخفاض عائدات سندات الخزينة الأميركية. وتعزى المبالغة في توقعات خفض أسعار الفائدة إلى التعليقات الحذرة التي أبداها رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في مدينة سانت لويس جيمس بولارد، وهو أيضاً أحد أعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة هذا العام. حيث صرح بولارد بأن خفض أسعار الفائدة في وقت قريب «قد يكون ضرورياً» بسبب المخاطر الاقتصادية المرتفعة الناجمة عن التوترات التجارية العالمية وبقاء التضخم في مستوى متدن. وفي ذات الوقت، أبدى بولارد قلقه تجاه العائدات على السندات لأجل عشر سنوات التي انخفضت إلى أقل من عائدات السندات لأجل ثلاثة أشهر، بل وتراجعت أيضاً إلى مستويات أدنى من سعر الفائدة على معدل الاحتياطي الفدرالي ذاتها. ويبدو أن هذا الانعكاس في منحنى العائد أصبح واضحا بما يكفي لدعم خطوة خفض أسعار الفائدة. وتاريخياً، عند انعكاس منحنى العائد كان الاحتياطي الفدرالي يلجأ دائما لخفض أسعار الفائدة والاقدام على تطبيق سلسلة متتالية من التخفيضات لأسعار الفائدة. بالإضافة إلى ذلك، تخلى رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي عن إشارته المعتادة إلى أن الاحتياطي الفدرالي يتحلى «بسياسة الصبر» في التعامل مع أي قرار يتعلّق بأسعار الفائدة واستبدل ذلك بقوله إن البنك المركزي يراقب عن كثب تداعيات الحرب التجارية بالنسبة للآفاق المستقبلية للاقتصاد الأميركي، وعزمه التحرك بالطريقة المناسبة «وفقاً لما تقتضيه الحاجة». كما يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يحصل أخيراً على مبتغاه، وسيجري تخفيض أسعار الفائدة كما يطالب. ومنذ بداية العام، تراجعت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين بنحو 64 نقطة أساس إلى %1.86، في حين تراجعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات بواقع 60 نقطة أساس إلى %2.08. ولا تقتصر أسباب هذا التراجع الحاد فقط إلى ارتفاع امكانية خفض أسعار الفائدة، بل تمتد أيضا لتشمل تزايد الطلب على السندات الأميركية كملاذ آمن. واتبعت أسعار الفائدة بين البنوك مساراً تراجعياً، حيث اقترب سعر الليبور على القروض بالدولار الأميركي لثلاثة أشهر من أدنى مستوياته في ثماني أشهر، وصولاً إلى %2.45، فيما يعد أقل بكثير من مستواه البالغ %2.79 في بداية العام. ويتضمن تسعير العقود الآجلة للصناديق الفدرالية إمكانية قيام الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماع ديسمبر المقبل بنسبة %98. العملات الأجنبية وعلى صعيد تداولات العملات الأجنبية، تعرض مؤشر الدولار لمزيد من الضغوط يوم الجمعة الماضي، حيث بلغ عدد الوظائف التي تمكن الاقتصاد الأميركي من اضافتها 75 ألف وظيفة فقط، أي أقل من متوسط توقعات الاقتصاديين البالغ 185 ألف وظيفة. أما بالنسبة للأجور، فانخفض المعدل السنوي من %3.2 إلى %3.1، في حين ظل معدل البطالة قريباً من أدنى مستوياته منذ 50 عاماً، حيث بلغ %3.6. وارتفعت إمكانية اقدام الاحتياطي الفدرالي على خفض أسعار الفائدة بمعدل ربع نقطة لثلاث أو أربع مرات هذا العام إلى %60 بعد صدور تقرير الوظائف، مقابل %49 في الجلسة السابقة، وذلك وفقاً لما تشير إليه بيانات وكالة بلومبيرغ بشأن العقود الآجلة للصناديق الفدرالية. وعلى هذا الأساس، كان مؤشر الدولار هو الأسوأ أداء في سوق العملات، حيث خسر نحو %1.06 من قيمته. وافتتح مؤشر الدولار الأسبوع عند مستوى 97.590 وأغلق يوم الجمعة عند مستوى 96.544. أما من جهة أسواق الأوراق المالية، فقد تجاوز مؤشر داو جونز سلسلة الخسائر التي امتدت على مدار ستة أسابيع، في حين ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة %5.30 تقريباً مقابل أدنى مستوياته التي سجلها هذا الشهر. وألمح مسؤولو الاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى احتمال خفض أسعار الفائدة في المستقبل في حين تشير نبرة الأسواق المالية إلى التأكد من خفض أسعار الفائدة للعائد لليوم الواحد في المستقبل. وبالنظر إلى المقومات الرئيسية للسوق، نلحظ الارتباط العكسي ما بين أسعار الأسهم وتكاليف الفائدة. وبالتالي، فإن احتمال تراجع أسعار الفائدة في المستقبل قد فتح المجال أمام أسواق الأسهم الأميركية للانطلاق. وسجّل مؤشر داو جونز نمواً بنسبة %4.65 على مدار جلسات التداول الخمس الماضية. قطاع الصناعات التحويلية وفي ظل التباطؤ الواضح للاقتصاد العالمي واستمرار التوترات التجارية، يتعرض قطاع الصناعات التحويلية الأميركي لعدد من الضغوط، حيث تراجع مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصادر عن معهد إدارة التوريدات إلى 52.1 في مايو مقابل 52.8، فيما أدنى قراءة للمؤشر منذ أكتوبر 2016. وبالنظر إلى نتائج مؤشر آخر، نلحظ تراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي من ماركيت أيضاً بواقع 2.1 نقطة إلى 50.5، فيما يعد أسوأ قراءة للمؤشر منذ سبتمبر 2009. وتشير قراءات كلا المؤشرين إلى ضعف أداء القطاع بشكل ملحوظ منذ أواخر العام الماضي. وفي حال إذا اشتدت التوترات التجارية وأصبحت أمراً واقعاً، قد يتخذ اداء قطاع التصنيع اتجاهاً هبوطياً. أما على صعيد قطاع الخدمات، فتشير أحدث بيانات مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات إلى صورة متفائلة، حيث ارتفعت قراءة المؤشر إلى 56.9 في مايو مقابل 55.5. ويبدو أن قطاع الخدمات يساهم بقوة في تعزيز الأداء الاقتصادي، ممثلاً نحو %80 من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وسجّل الاقتصاد الكلي نمواً بوتيرة جيدة في الفترات المالية الأخيرة، وذلك على الرغم من إشارة الدلالات الكامنة إلى تباطؤ معدلات النمو. وهناك العديد من الدلالات من ضمنها الأداء الضعيف لقطاع الصناعات التحويلية وتدني معدلات التضخم وتباطؤ وتيرة نمو معدلات التوظيف في القطاع الخاص ببلوغ عدد الوظائف الجديدة 27 ألفاً مقابل توقع بلوغها 185 ألف وظيفة، تشير كلها إلى أن أكبر الاقتصادات على مستوى العالم قد بدأ يفقد زخمه. أوروبا وأبقى مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي على سياسته النقدية التيسيرية في اجتماعه الأسبوع الماضي كما كان متوقعاً، وأجل خطوة رفع أسعار الفائدة. وتعهد المسؤولون بالحفاظ على معدلات الفائدة عند مستوياتها الحالية حتى النصف الأول من عام 2020 على أقل تقدير، بدلاً من نهاية العام الحالي كما أعلنوا في مارس. أما بالنسبة لخفض أسعار الفائدة، فقد صرح رئيس البنك المركزي الأوروبي بأن المسؤولين قد تطرقوا لاستعداد البنك للعمل في حالة حدوث «وضع طارئ»، وأثار العديد من الأعضاء إمكانية خفض أسعار الفائدة أو حتى إعادة شراء الأصول. ويتم تسعير العقود الآجلة حالياً في أسواق النقد وفقاً لإمكانية بنسبة %45 لمصلحة خفض أسعار الفائدة بواقع 10 نقاط أساس بنهاية عام 2019. من جهة أخرى، سيدعم البنك المركزي الاقتصاد الموحّد من خلال برنامج تحفيز الإقراض المصرفي المعروف باسم «عمليات إعادة التمويل المستهدفة الطويلة الأجل او اختصاراً TLTRO-III، والذي يوفر تمويلاً رخيصاً للمؤسسات الائتمانية والبنوك. وتم تحديد سعر الإقراض لبنوك منطقة اليورو بمعدل 10 نقاط أساس أعلى من متوسط معدل إعادة التمويل الرئيسي (حالياً %0)، إلا أنه في حالة إذا تجاوز الإقراض معدلاً محدداً، فستتم اضافة 10 نقاط أساس على معدل الإيداع الهامشي (حالياً %-0.4). وبالنظر إلى توقعات البنك المركزي الأوروبي، فقد جرى رفع معدل النمو هامشياً إلى %1.2 لعام 2019 وذلك على الرغم من تراجع الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2020 و2021 إلى %1.4. وتشير التوقعات حالياً إلى تسجيل نمو بنسبة %1.3 فقط للعام الحالي، و%1.4 خلال العام المقبل و%1.6 في عام 2021. وكانت البيانات الاقتصادية من منطقة اليورو هشة بالفعل في ظل الأداء السلبي لقطاع الصناعات التحويلية وضعف معدلات النمو وتدني مستويات التضخم. وكانت القراءات التضخمية الأخيرة مخيبة للآمال، حيث تراجع مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي من %1.7 إلى %1.2 وتراجع معدل التضخم الاساسي من %1.3 إلى %0.8. من جانب آخر، فإن الحرب التجارية العالمية لا تظهر أي علامات دالة على الانحسار، وعاد الصراع مرة أخرى بين إيطاليا والمفوضية الأوروبية، كما يواصل قطاع الصناعة الألماني نشر بيانات ضعيفة وتواصل أسواق الأوراق المالية خسائرها، كما قد تكون المملكة المتحدة قاب قوسين او أدنى من الانفصال عن الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق. وقد يبدو أن توفير التمويل الرخيص للبنوك هو الحل الوحيد في الوقت الحالي، خصوصاً في ظل معدلات الفائدة التي تبلغ بالفعل %0 وعدم توافر أدوات مالية للضغط عليها، لذا فإن الخيارات المتاحة محدودة إلى حد ما. كما انه في ظل حالة عدم اليقين التي تسود على مستوى العالم والتي تشكّل ضرراً فعلياً على التجارة، فيبدو أن البنوك المركزية الكبرى مثل البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفدرالي الأميركي قد تخلت عن خطط تشديد السياسة النقدية.
مشاركة :