في وقت تعمل الولايات المتحدة جاهدة لإقناع الغرب بالتخلي عن "هواوي" لمخاوف أمنية، سعت مجموعة التكنولوجيا الصينية إلى تعزيز موقعها في أفريقيا، حيث رسّخت وجودها أساساً. وتولّت "هواوي" دوراً قيادياً في تطوير شبكات الهواتف المحمولة من الجيل الخامس (5 جي) حول العالم، لكنها باتت في وضع صعب منذ أعلنت واشنطن أن أجهزتها قد تستخدم للتجسس لصالح الاستخبارات الصينية. وتنفي ثاني أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم الاتهامات، لكن الولايات المتحدة حضّت الدول على تجنبها، فيما ابتعدت عنها عدة شركات بينها "غوغل" التي يُستخدم نظامها التشغيلي "أندرويد" في معظم الهواتف الذكية. وبينما تتبارز واشنطن وبكين في إطار الحرب التجارية المتصاعدة، تواجه دول العالم معضلة الاختيار بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. ودخل الرئيس الروسي فلايديمير بوتين على خط المواجهة، فندد بما اعتبرها محاولات من واشنطن لـ"إخراج هواوي من الأسواق العالمية بشكل غير رسمي". وفي وقت سابق، وقّعت مجموعة "أم تي أس" الروسية العملاقة للاتصالات اتفاقًا مع "هواوي" لتطوير شبكة "5 جي" في البلاد. وأفاد الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي كان ضيف بوتين في منتدى اقتصادي عقد في سان بطرسبورغ، بأن بكين "مستعدة لمشاركة الاختراعات التكنولوجيّة مع كافة الشركاء، خصوصا تكنولوجيا 5 جي". لكن هل سيجبر النزاع المتصاعد الدول الأفريقية على الاختيار بين الصين، أبرز شريك تجاري للقارة، والولايات المتحدة؟ يقول المحلل الاقتصادي المستقل في نيروبي علي خان ساتشو: "بالنسبة للدول الأفريقية قد تؤدي هذه الحرب التجارية إلى خيار مزدوج. سيكون من الصعب للغاية على الدول الأفريقية أن تتجاهل الأمر". وسعت "هواوي"، التي تحولت اليوم إلى عامل رئيسي في التوترات الأميركية الصينية، إلى ترسيخ وجودها في أفريقيا، ووقعت اتفاقاً الأسبوع الماضي لتعزيز تعاونها مع الاتحاد الأفريقي. ويقول خبير الاقتصاد المتخصص في شؤون أفريقيا جنوب الصحراء لدى شركة "كوفاس" الفرنسية للخدمات المالية روبين نيزارد: "هذه طريقة لإظهار أن هواوي لا تزال حاضرة في أفريقيا وأنهم يريدون البقاء كلاعب أساسي عبر التواجد في قطاع النمو هذا الذي يعد مهماً جداً". ويأتي الاتفاق بعدما ذكرت صحيفة "لو موند" الفرنسية عام 2018 أن الصين تجسست على مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نقلاً عن مصادر داخل المنظمة. وأفاد التقرير بأن التجسس بدأ عام 2012 بعدما استكمل بناء مقر الاتحاد الأفريقي الجديد الذي مولته الصين. لكن لم يُلاحظ الأمر إلا عندما اكتشف خبراء تقنيين أن بيانات في خوادم الإنترنت في المبنى تُرسَل إلى شنغهاي. ورفضت كل من الصين والاتحاد الأفريقي الاتهامات. ورسّخت "هواوي" تواجدها في أنحاء أفريقيا منذ انطلقت في كينيا عام 1998، وتعمل حالياً في 40 بلداً وتوفر شبكات الجيل الرابع (4 جي) لأكثر من نصف القارّة. وستعرض خدمات "5 جي" القادرة على نقل البيانات بسرعة أكبر بكثير في مصر خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية التي ستجري من 21 حزيران (يونيو) الحالي حتى 19 تموز (يوليو) المقبل. وقال ساتشو لوكالة "فرانس برس" إن "أفريقيا سوق رصدته هواوي وغزته بفضل استراتيجيتها الجريئة للغاية المبنية على التمويل الرخيص وسرعة التنفيذ". ويتجاوز تواجد "هواوي" في أفريقيا بأشواط مسألة بيع الهواتف الذكية وتأسيس شبكات هواتف محمولة. وفي جنوب أفريقيا، تنظم المجموعة دورات تدريبية في كبرى جامعات البلاد على غرار دورة متخصصة بشبكات "5 جي" أطلقتها هذا العام. أما الحكومة الكينية، فوقعت اتفاقاً بقيمة 17.5 بليون شيلينغ (172 مليون دولار) مع "هواوي" في نيسان (أبريل) الماضي لتأسيس مركز معلومات وخدمات "المدينة الذكية". وتقدم المجموعة الصينية كذلك برنامج مراقبة أطلق عليه "المدينة الآمنة". وبحسب موقع هواوي، بإمكان هذه المبادرة "منع الجرائم التي تستهدف المواطنين العاديين والسائحين والطلبة وكبار السن وغيرهم قبل وقوعها". واستخدم البرنامج في نيروبي وموريشيوس حيث تم نشر 4 آلاف كاميرا "ذكية" للمراقبة في ألفي موقع في أنحاء الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي. ونددت بعض وسائل الإعلام في موريشيوس بنظام المراقبة ووصفته بـ"الدكتاتورية الرقمية" من "الرقيب بكين". لكن وزير الأمن الغاني ألبرت كان-دابا أكد أن تكنولوجيا المراقبة التابعة لـ"هواوي" تساعد في القبض على المجرمين. وقال في تسجيل للترويج للمجموعة الصينية: "عندما يتم ارتكاب جريمة، ننجز المعجزات بفضل الكاميرات". وذكر فرع الشركة المختص بالكبلات تحت الماء "هواوي مارين" أنه يساعد في وضع نظام كبلات مهم بطول 12 ألف كيلومتر يربط أفريقيا بآسيا. ومع انخراط "هواوي" في أفريقيا إلى هذا الحد، قد تجد القارّة صعوبة في تجنب التحول إلى ضحية عرضية للنزاع الأميركي الصيني. وقال نيزارد إن "أفريقيا عالقة وسط حرب تجارية عليها عدم الانخراط فيها لأنها لن تكسب شيئاً".
مشاركة :