المعلومات على الشبكات الاجتماعية كالقنابل والصواريخ

  • 6/10/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عام 2013 أحدث الرئيس الحالي لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، مركزا صلب الجيش مهمته التنسيق بين المخابرات والدعاية والعمليات العسكرية. وكان ذلك في الواقع تجسيدا للعقيدة العسكرية الروسية التي أعاد صياغتها الجنرال فلاديمير سلبتشانكو عام 1998 وهو القائل حينذاك “إن المواجهة بالمعلومات ستكون أحد أركان الحرب المستقبلية، فالمعلومات كالقنابل والصواريخ”. تلك هي الحرب التي أطلق عليها الروس الحرب الهجينة في الوقت الذي كان فيه الأميركيون يخططون لما سموه الحرب الإعلامية أو الجيل الرابع من الحروب. وهي حرب معلنة لا بداية لها ولا نهاية، سمع العالم عن أطوارها في الانتخابات الأميركية عندما جند الروس آلافا من القراصنة لمساندة دونالد ترامب عبر الشبكات الاجتماعية. وليست الحرب الهجينة، التي تستخدم التضليل بالمعلومات سلاحا لتغيير الواقع، صناعة روسية صرفة وإن كانت تبدو كذلك لصلتها بانتخابات في بلدين كبيرين هما فرنسا والولايات المتحدة ولما تبع ذلك من ردود فعل وصلت بالبرلمان الأوروبي إلى حد إصدار بيان في 23 نوفمبر 2016 يدين فيه بالإجماع قناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك بأنهما “أداتان للدعاية الروسية”. فهل سمع العالم عن دعم مؤسسة أرخميدس لانتخاب محمد بخاري رئيسا لنيجيريا في فبراير الماضي؟ لقد أثبت بيت الخبرة الأميركي “مخبر المجلس الأطلسي لأبحاث الطب الشرعي الرقمي” نهاية مايو، أن عددا من الصفحات المضللة، تديرها أرخميدس على فيسبوك وإنستغرام، كانت تنشر مضامين لدعم محمد بخاري وأخرى تهاجم خصمه عتيق أبوبكر بأرذل المضامين. وكما أغلق فيسبوك في 6 مايو صفحات مضللة لها صلة بسوريا وأوكرانيا تديرها روسيا فإنه أغلق كذلك صفحات ومواقع وحسابات تديرها أرخميدس من إسرائيل وغيرها وأخرى إيرانية في 30 مايو تستهدف السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة. وليست الولايات المتحدة ولا بريطانيا بمعزل عن مثل ممارسات الروس والإسرائيليين الذين يسعون عبر الشبكات الاجتماعية إلى تغيير الواقع لصالحهم أو لصالح عملائهم وحلفائهم، سواء أكان ذلك في الانتخابات أم غيرها من المجالات الأخرى. أصل غوغل يكمن جزئيا في حاجة وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى مراقبة الجماهير ففي عام 2014، بعد تسريبات عميل المخابرات الأميركية إدوارد سنودن، كشف الإعلام عن وثيقة لوكالة تابعة للمخابرات البريطانية اسمها “مجموعة الاستخبارات لبحوث التهديد المشترك” مهمتها استخدام التضليل “بتحقير الأعداء وإرباكهم وتعطيلهم وتدميرهم” عبر نشر الأخبار الزائفة وقطع اتصالاتهم. وتتحدث الوثيقة عن خطوات إجرائية لبلوغ ذلك بترتيب “عمليات” تُنسب للأعداء أنفسهم وبتلفيق حكايات ونشر شائعات على الشبكات الاجتماعية. وأما الولايات المتحدة فقد لخص الصحافي سيمور هيرش أمرها عندما سأله صحافي بلجيكي في 29 يوليو 2018 عما إذا كان للولايات المتحدة ماض في التدخل في الانتخابات الأجنبية فأجابه: “هل أنت جاد؟ ذلك كل ما تفعله المخابرات”. تلك قصة يعلمها القاصي والداني أما الجديد فهو توظيف الشبكات الاجتماعية مع الأدوات التقليدية الأخرى تماما كما تفعله روسيا في حربها الهجينة. فقد جاء في مقال نشرته المجلة الإلكترونية الأميركية “كوارتز″، المختصة في الشؤون الاقتصادية، في 8 ديسمبر 2018، “أن أصل غوغل يكمن جزئيا في حاجة وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية إلى مراقبة الجماهير” كما أقرت القيادة العسكرية الأميركية عام 2011، بعد نشر معلومات صحافية، أنها كانت تجند “جيشا من القراصنة” عبر تطبيقات إلكترونية لصد الهجمات الإيرانية والروسية والصينية والإسلامية. وقبل ذلك أنشأت واشنطن بعد هجمات أيلول 2001 مكتب التأثير الاستراتيجي الذي حُل بعدها بعام بعد أن تبين أن بث الأخبار الكاذبة من مهام مكتب الاتصالات الاستراتيجية التابع لوزارة الخارجية. وأكد فريق “كربتوم” الناشط في جمع “الوثائق الحساسة” الأميركية وغير الأميركية، في أغسطس 2012، أن هناك في مكتب التحقيقات الفيدرالي وحدة مهمتها تنفيذ العمليات السرية على الشبكات الاجتماعية. إن تلك الأعمال تهدف إلى عسكرة منظمة للمعلومات على الشبكات الاجتماعية تماشيا مع ما أحدثته تلك الشبكات من تغيير عميق في صناعة المضامين ونشرها. لقد كانت الدعاية العسكرية تقوم قبل الشبكات على مبادئ منها مراقبة المصادر التي أصبحت بلا معنى اليوم إذ إن عدد مصادر ما يبث على الشبكات لا يحصى ولا يعد. ولم يغب الجيش يوما عن توظيف وسائل الاتصال في الحرب ويكفي أن نذكر مثالي التلغراف والإنترنت اللذين استخدمهما الجيش ثم منّ بهما على الناس. ولتجاوز عقبة المصادر التي لم يعد من الممكن السيطرة عليها أو مراقبتها عمد الجيش في كل مكان إلى إغراق الشبكات بالمعلومات للتقليل من رواج المصادر التي أفلت منه عقالها. وقائع غريبة تبعث على التساؤل عن طبيعة أرخميدس التي أغلق فيسبوك نحو 260 من صفحاتها وحساباتها تستهدف بلدانا أفريقية منها تونس ولا يمكن للجيش الإسرائيلي ولا لمخابراته أن يكونا غائبين عن هذا الحقل الخصيب. وإذا لم تُنشر معلومات قاطعة عن علاقة مؤسسة أرخميدس بالجيش الإسرائيلي ولا بالحكومة الإسرائيلية فإن وقائع غريبة تبعث على التساؤل عن طبيعة أرخميدس التي أغلق فيسبوك نحو 260 من صفحاتها وحساباتها تستهدف بلدانا أفريقية منها تونس. ومن تلك الوقائع المربكة أن أرخميدس حذفت صفحات موقعها كلها، بعد قرار فيسبوك في 16 مايو، إلاّ صفحة الاستقبال التي لم تعد تحمل أي معلومة. فلماذا ذلك إن كان النشاط تجاريا صرفا؟ قبل قرار فيسبوك كان موقع أرخميدس ينشر على تلك الصفحة أن المؤسسة “لعبت أدوارًا مهمة في كثير من الحملات السياسية… على الشبكات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم”. وكان على الصفحة كذلك قبل 16 مايو أن أرخميدس “تستخدم “كل الورقات الرابحة المتاحة لتغيير الواقع وفقا لرغبات عملائها”. من هم عملاؤها؟ هل هم أفراد مثلا؟ ومن ذا الذي يقدر على تغيير الواقع في كل مكان من العالم غير الدول أو من تسنده دول؟ ولماذا كان رئيسها عسكريا من مخابرات سلاح الجو؟ وما علاقة أرخميدس بالمؤسسة الإعلانية “غراي كونتانت” التي كان مقرها في وقت ما هو مقر أرخميدس في الوقت نفسه كما كشفت إحدى الصحف الإسرائيلية؟ ولماذا تحظى “غراي كونتانت” بنحو 9 ملايين دولار أي ثلث ميزانية الإعلانات التلفزيونية الحكومية لمنتصف 2017 فقط قبل أن يُفضح الأمر ويتولاه القضاء؟ في يناير 2011 حجبت مصر تويتر ثم فيسبوك….في مارس 2011 لم تفعل سوريا ذلك بل أنشأ مساندو بشار الأسد الجيش السوري الإلكتروني. في سبتمبر 2015 نشر الجنرال فاليري غيراسيموف نصا عن سوريا يقول فيه إن استخدام المعلومات عسكريا على الشبكة يقلب الأوضاع في أيام.

مشاركة :