غاب متحف سرسق عن الساحة الثقافية اللبنانية منذ عام 2008 ليجدد شبابه ويضيف مساحات ضاعفت فضاءه السابق أربع مرّات. كلّف المشروع 14 مليون دولار، أشرف عليه المهندس الفرنسي الشهير في مجال المتاحف جان ميشال ريلموت والمهندس اللبناني جاك أبو خالد، وحُدد موعد الافتتاح في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بمعرض كبير يشمل أعمالاً تشكيلية لفنانين لبنانيين عاشوا وأبدعوا بين أوائل القرن التاسع عشر وستينات القرن العشرين. انتهى بناء متحف سرسق عام 1912، وجاءت هندسته المخضرمة بين الطرازين البندقي والعثماني متماشية مع قصور وبيوتات شارع سرسق المجاورة والعائدة الى العائلة الأكثر ثراء ووجاهة في بيروت آنذاك. وفي 1951 كتب مالكه وصية شديدة الوضوح والقصد هدفها تحويل القصر الى متحف دائم للفنون التشكيلية ومساحة ثقافية ونهضوية مفتوحة «للجميع»، وقد وضع نقولا سرسق ثلاثة خطوط تحت كلمة الجميع، أي كل أفراد الشعب اللبناني وزواره، منعاً لكل استئثار أو التباس. مع ذلك رأى الرئيس كميل شمعون في القصر الممنوح بموجب الوصية الى بلدية بيروت، مركزاً مناسباً ليكون «قصر ضيافة» تابعاً للدولة. إلا أن الورثة اعترضوا واستطاعوا بدعم من السيدة الأولى زلفا شمعون أن يردوا القصر الى وظيفته الأصيلة. وفي 1960 أقيمت في المتحف أولى فعالياته التي عرفت لاحقاً باسم «معرض الخريف» على غرار «الصالون» الباريسي العائد الى القرن التاسع عشر. تألفت في سياق التقليد الفرنسي نفسه لجنة تحكيم ضمت فنانين ونقاداً ومثقفين، اختارت الأعمال المرشحة للعرض، وفي نهاية المعرض منحت جوائز للفائزين وضمت أعمالهم الى مجموعة المتحف. مساء الثلثاء المنصرم تحدث الراعي الجديد لمتحف سرسق، الوزير اللبناني الأسبق طارق متري عن ماضي سرسق وحاضره ومستقبله، الى جمهور حلقة «كرز وليمون» التي تقوم بنشاطات ثقافية متنوعة في «قاعة ماري دودج» ضمن حرم الجامعة الأميركية، ويديرها أكرم نجار. قال طارق متري إن المتحف الذي لم يغلق أبوابه خلال الحرب الأهلية بل تهمش دوره أثناءها بفعل الظروف القاهرة، عائد إلى القيام بدوره التاريخي، ابتداء من الخريف المقبل. وأشار إلى أن ثروة المتحف تضم ثمانمئة قطعة من اللوحات والمنحوتات على أنواعها معظمها موقع من فنانين لبنانيين مثل شفيق عبود، إيتيل عدنان، جان خليفة، جوليانا ســـارافيم، عارف الريس، بول غيراغوسيان، وغيرهم. إضـــافة إلى المحفوظات الثمينة التي تركها نقولا سرسق، وكلها في تصرف القائمين عـــلى تشكيل المعارض المقبلة وتنسيقها. ولعل أهم الإضافات العمرانية التي انضمت إلى القاعات الأصلية قاعة مسرح وعروض متعددة الإمكانات تتسع لمئة وسبعين شخصاً في الدور التحتي، وهي مؤهلة لاستقبال موسيقيين ومحاضرين وممثلين، ناهيك بعرض أفلام سينمــائية. كما أضـــيفت مساحة للأطفال والأحداث. وستـــعطي البرامج والنشاطات المخطط لها فسحات دائمة للمحترفات الفنية والنشاط التثقيفي. وعرض متري على الجمهور ضوئيات لملصقات المتحف على مرّ السنوات مع لوحات مختارة من محفوظات المتحف.
مشاركة :