القاهرة: «الخليج» دخل الشاعر السويدي «إريك أكسل كارلفلت» (20 يوليو 1864 - 8 إبريل 1931) الأكاديمية السويدية سنة 1904 وفاز بجائزة نوبل سنة 1919 «لاعتباره واحدا من أكبر شعراء أوروبا» لكنه رفضها لسبب أخلاقي، يتعلق بنزاهة لجنة التحكيم، إذ إنه كان أمين الأكاديمية السويدية، وهي الجهة التي تمنح الجائزة، فخشي أن يقال إنه منحها لنفسه، لذلك رفض استلام الجائزة في حياته، فأسندت إليه سنة 1931 بعد وفاته، وهذا دليل على نزاهته، وحرصه على مكانة الأكاديمية السويدية، فقد رفض المجد الشخصي، خوفا من اتهامه بخداع الرأي العام، واستغلال السلطة والنفوذ. ولد هذا الشاعر في أجمل مناطق السويد، وأغناها بالفن والتاريخ، وتنتمي عائلته إلى طبقة مالكي الأراضي، ومن المفارقات أن هذه العائلة أعلنت إفلاسها، عند تخرج ابنها الشاب في المدرسة الثانوية، ما ترك أثراً سيئاً في نفسه، وكانت عائلته تعمل في مجال الزراعة، وتورط والده في فضيحة مالية، تشتمل على جرائم اقتصادية وتزوير، فحكم عليه بالسجن لمدة طويلة، وهذه القضية لوثت سمعة العائلة، وكانت سبباً في تغيير اسم الشاعر الذي كان عند ولادته «إريك أكسل أريكسون» لقد أراد الابتعاد عن ماضي والده الملوث، والنأي بنفسه عن أعماله الإجرامية، وغسل اسمه من العار، كان والده عقدة في حياته الشخصية، فأراد أن يطهر حياته الشخصية من عقدة أبيه، ويغسل تاريخه من العار، وكان الحل الأمثل بالنسبة إليه تغيير اسم عائلته، وإقامة قطيعة مع الماضي الملوث، وبدء صفحة جديدة. عمل الشاعر بعد تخرجه في المكتبة الملكية، وانتخب عضوا في الأكاديمية السويدية، وصار أمين سرها الدائم بدءا من عام 1912 وقد منحته الأكاديمية الجائزة بعد وفاته في استوكهولم، كما أسلفنا، رغم أنها لا تمنح سوى للأدباء الذين على قيد الحياة، إذ كان قد رفضها في أثناء حياته كونه رئيساً للجهة المانحة. وكما يرى الكاتب الأردني إبراهيم أبو عواد فإن «كارلفلت» اعتمد على وصف المشاعر، وتصوير الواقعية بأسلوب رمزي مفعم بالأحاسيس والذكريات، ومع هذا، لم ينج من الانتقادات بسبب غرق قصائده في الخيالات الرمزية، وعدم مُبالاتها بالأحداث السياسية والقضايا المصيرية التي تمسُّ حياةَ الإنسان بشكل مباشر، وقد تأثَّر الشاعرُ بعوالم الزراعة والفلاحين التي عايشها في طُفولته، خصوصا أنه نشأ في عائلة زراعية، وكانت مفرداته ولغته التصويرية مُسْتَمَدَّةً مِنَ العالَم الافتراضي المسيطِر على ذاكرته. يتميز شعر «كارلفلت» بالأبعاد الرمزية والفضاءاتِ الغنائية، وقد حول الأغاني الشعبية إلى قصائد حية عابقة بالتحولات اللغوية والطقوس المعرفية والإشارات الغامضة، وأصدر ديوانه الأول «أغاني للبرية وللحب» عام 1895 أثناء دراسته الجامعية، ولم يلق أي نجاح يذكر إلا مع ابتكاره شخصية فريدولين الريفية والمثقفة في آن معاً، وهو الذي يعود إلى موطنه بعد أن أمضى حياته في القراءة والدراسة، ويتكلم مع الفلاحين بلغتهم ويخاطب المثقفين باللاتينية، وظهرت هذه الشخصية، في دواوين «أغاني فريدولين» و«فردوس فريدولين» و«لوحات مقفاة من دالانا». يعتبر «كارلفلت» شاعراً غنائياً، استلهم الملحِّنون العديد من الأغاني من قصائده، وقد تَحَرَّرَ مِن نَبرة الوعظ والإرشاد التي سَيْطَرَتْ على شِعْره، وبعد حصوله على الشهرة الأدبية نشر ديوان «فلورا وبومونا» عام 1906 حيث تبحر في تصوير الأمور الحسية، التي لا تؤدي في النهاية سوى إلى الفناء، كل ذلك باستخدام الرموز القديمة وبلغة ساحرة، أما في ديوان «فلورا وبيلّونا» وبيلّونا هي إلهة الحرب، فتظهر الآثار التي تركتها الحرب العالمية الأولى في نفسه، إذ يرى أن العالم الذي خلفته الحرب ما هو إلا مصحة للمرضى عقلياً، ومكان لحفظ الجثث. كان ديوانه الأخير «أبواق الخريف» وداعه للشعر، وقد ضم أفضل إبداعاته في نسيج معقد، كما في قصيدة «تحت القمر» التي صور فيها من خلال تنافر الأضداد مسيرة الإنسان الذي يحب ويشرب ويغني ويعيش ويموت تحت أنظار القمر المتغير الثابت، ويأخذ الشاعر بيد القارئ في قصيدته الأخيرة «أرغن الشتاء» عبر تقلبات الطبيعة وفصولها، ويمزج مسيرة الإنسان هذه مع ما يمثله صوت آلة الأرغن. استعاد «كارلفِلت» في شعره أجواء الرومانسية، التي كانت قد بدأت بالاختفاء أمام زحف الحداثة، من بساطة قد تصل أحيانا حد السذاجة، كما هي حال الفولكلور الشعبي الذي تجلى في الرسوم الجدارية في المنازل والكنائس التي تصور شخصيات من الإنجيل بلباس أهل الريف في تلك المناطق من البلاد، ومن حس بالطبيعة وجمالها إلى الغزل الذي احتل مكانة رفيعة في شعره، تميزت لغته بميلها نحو الوحشي والإيقاعات القوية، والصور المبتكرة في شعر مكن من سهولة تلحينها وغنائها.
مشاركة :