أظهرت بيانات حكومية أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس قفزت خلال الثلث الأول من العام الجاري بنحو 16.3 بالمئة بمقارنة سنوية، لتقدم بذلك دعما كبيرا لجهود الحكومة في مواصلة تعزيز مناخ الأعمال المتعطش للنمو. ويقول مراقبون إن هذه القفزة رغم أنها تأتي على عكس تيار ما يشهده مناخ الأعمال من تذبذب في ظل التجاذبات السياسية، التي تزايدت حدتها مع بدء العد التنازلي للانتخابات التشريعية والرئاسية، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من المحفزات. وأشاروا إلى أن دخول استثمارات جديدة إلى تونس يبدو مدفوعا بجهود حكومية حثيثة للحد من العقبات أمام المستثمرين، من بينها تقليص التراخيص والحد من الإجراءات البيروقراطية. وتعاني تونس منذ أكثر من ثماني سنوات من أزمات اقتصادية خانقة، أثرت على توازناتها المالية بشكل كبير، من ضمنها تدفق الاستثمارات الأجنبية، التي تجاوزت في عام 2010 حاجز 1.5 مليار دولار. وهناك رهان كبير من المسؤولين على نجاح منتدى تونس للاستثمار، الذي تحتضنه يومي 20 و21 يونيو الجاري لجذب المزيد من الشركات، وإعادة زخم أعمالها في البلاد بعد أن هربت أكثر من 400 شركة منذ بداية الفوضى في عام 2011 إلى السوق المغربية. وقام وزير الاستثمار زياد العذاري الشهر الماضي بجولة أوروبية للتعريف بالمنتدى، حيث التقى بمسؤولين عن شركات أوروبية كبرى، وخاصة تلك التي تنشط في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. ويشكك البعض في توقعات الحكومة بشأن زيادة حركة الاستثمارات عبر هذا المؤتمر، لاسيما وأن وعود مؤتمر سابق عقد في نهاية نوفمبر 2016 لم تترجم بالشكل المطلوب حتى الآن. ومن الواضح أن العلاقات التجارية التونسية مع شركائها لا تزال تميل أكثر إلى الشعارات وأن المسألة بحاجة لدفعة حقيقية على أرض الواقع للحديث عن تطور لافت في المسار الاقتصادي. وأظهرت بيانات رسمية لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي أن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلاد بلغ في أول أربعة أشهر من هذا العام 851 مليون دينار (288 مليون دولار) قياسا بنحو 249 مليون دولار في الفترة نفسها قبل عام. ويُعزى ارتفاع الاستثمارات إلى زيادة قوية في الاستثمارات الصناعية، التي قفزت بنحو 62 بالمئة لتبلغ حوالي 139.3 مليون دولار. ويعتبر قطاع الصناعات المعملية، وفي مقدمتها النسيج والملابس والجلود والأحذية وكذلك الصناعات الميكانيكية والكهربائية والكيميائية، من الركائز المهمة، التي تعول عليها تونس بشكل كبير لاستقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة. وبالإضافة إلى ذلك، سجل قطاع الطاقة انتعاشا بسيطا بنسبة 7 بالمئة، حيث استقطب منذ بداية العام وحتى نهاية أبريل الماضي، استثمارات خارجية مباشرة بقيمة 124.7 مليون دولار، بمقارنة سنوية. وخلافا لهذين القطاعين، فقد سجل كل من قطاعي الخدمات والزراعة الاستراتيجيين تراجعا ملحوظا على مستوى جذب رؤوس الأموال الخارجية. 16.3 بالمئة نسبة زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي في الثلث الأول من 2019 بمقارنة سنوية وتشير البيانات إلى أن الاستثمارات الأجنبية في قطاع الخدمات تراجعت بنحو 64 بالمئة لتبلغ 21.8 مليون دينار فقط، كما تدحرجت الاستثمارات الزراعية إلى 372 ألف دولار قياسا مع 1.9 مليون دولار قبل عام. ورغم هذا التحسن في المؤشرات إلا أن الحكومة أمامها المزيد من العمل حتى تطور البيئة الاستثمارية بشكل يتناسب مع الخطط المعلنة بشأن توفير فرص العمل للشباب. ولا تزال معدلات البطالة حتى الآن عند مستويات مفزعة، حيث تظهر بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء أنها بلغت في الربع الأول من العام الجاري 15.3 بالمئة، بتراجع بسيط عن الربع الأخير من 2018 بنحو 0.1 بالمئة. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير حديث عن الاقتصاد التونسي إن “على تونس أن تحسن مناخ الاستثمار وتقلص التعقيدات الإدارية لكي تجذب مزيدا من الاستثمار وتوفر فرص عمل جديدة”. وتعهد رئيس الحكومة يوسف الشاهد في كثير من المناسبات بإلغاء العديد من التراخيص الإدارية التي تعرقل جهود جذب المستثمرين إلى البلاد. وبات متاحا منذ منتصف أبريل العام الماضي استخراج بعض الوثائق المطلوبة في إنجاز المشاريع عبر الإنترنت لاختصار الفترة الزمنية. وتستهدف تونس، التي بدأت في تطبيق قانون جديد للاستثمار تم تعديله قبل أسابيع، إعادة جذب المستثمرين الأجانب بعد سنوات من الركود بسبب الوضع الأمني الهش وتزايد الإضرابات. ويتضمن القانون الجديد عددا من الحوافز للمستثمرين التونسيين والأجانب من بينها خفض الضرائب ومساهمة الدولة في إنجاز البنية التحتية للمشاريع الكبرى. وينص كذلك على إعفاء الأرباح من الضرائب لمدة 10 سنوات وإنشاء صندوق استثمار يساهم في تمويل مشاريع البنية التحتية لتشجيع المستثمرين على إقامة مشاريع في المناطق الداخلية. وتستهدف تونس استقطاب أكثر من مليار دولار من الاستثمارات الخارجية مع نهاية العام الحالي مقابل تدفقات بقيمة 947 مليون دولار خلال العام الماضي.
مشاركة :