المحفوظ وتفكيك الطائفية

  • 10/13/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يُعتبر الكاتب والمفكر محمد المحفوظ من أبرز المهتمين ببحث المشكلة الطائفية بأبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية، حيث أشبعها بحثاً ودراسة طوال العقدين الماضيين من خلال محاضراته ومقالاته ومؤلفاته التي بلغت ثلاثين إصداراً في مختلف ميادين المعرفة. لقد أسهمت دراسته الدينية لفترة طويلة في إلمامه ودرايته التامة بمناحي التوجهات الدينية التي تُسهم في أحيان كثيرة في تغذية الحالة الطائفية، إلا أنه في منهجيته البحثية ينفتح على مختلف المدارس والنظريات الحديثة لتفكيك الخطاب الطائفي الذي بات هماً يشغل أصحاب الرأي وقادة الفكر في المجتمعات العربية. مما يلفت الانتباه هنا السعي الجاد لدى المحفوظ في استحضار تجارب المجتمعات الأخرى غير العربية، وكيف نجحت في تجاوز مشكلة التعددية فيها كما هو الحال في الهند وعديد من الدول الآسيوية والأوروبية، وهو النهج الذي يتبعه في دراسة التحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية ومقاربتها مع الواقع المحلي. يذهب المحفوظ في تحليله لبروز وديمومة الأزمة الطائفية في المنطقة العربية بسبب غياب الوضع السياسي القادر على احتضان الهويات المتعددة أفقياً وعامودياً، حيث يتم التعامل مع المجتمعات بوصفها سديماً بشرياً وتستخدم آليات قسرية وقهرية لدحر الخصوصيات الثقافية والإثنية لصالح الفكرة الشوفينية. ويرى المحفوظ أن الدولة العربية تمارس في عملية الطرد لبقية المكونات والتعبيرات عناوين مختلفة، من ضمنها العنوان الطائفي والمذهبي. فالطائفية كمشكلة هي وليدة بنية الدولة التي لا تتسع لجميع المواطنين، ووليدة الخيارات السياسية المتبعة، لذلك يؤكد أن طبيعة المشكلة الطائفية في المنطقة هي ذات طبيعة سياسية، ويستخدم السياسي الديني لتسويغ وتغطية نزعاته الإقصائية والنبذية والتمييزية. كما يفصل في شرحه أشكال ممارسة الطائفية في المجتمع بأنها تكون على نحوين: الطائفية الغالبة التي تمارس التمييز والإقصاء والتهميش، وهي وليدة النظام السياسي، والطائفية المعكوسة أو المغلوبة التي تؤدي إلى الانكفاء والانعزال والتمترس المرضي حول الذات، كما يبين أن أهم سمات الطائفية المغلوبة هي توسيع دائرة المقدس، والتمسك بخيار الانكفاء والعزلة، والرهاب من التجديد والإصلاح. واستخلاصاً من تجارب أخرى، يشرح المحفوظ رؤيته بأن هناك ثلاثة خيارات جربتها المجتمعات الإنسانية لمعالجة التعددية، وهي الحروب والمغالبة والعمل على استئصال المكون الآخر، وخيار الانكفاء والانعزال وبناء الكانتونات الخاصة، والخيار الثالث وهو خيار التعايش، ويوضح أن خيار التعايش في الحالة الطائفية يتطلب ضرورة فك الارتباط بين واقع الاختلاف الديني أو المذهبي وانتهاك حقوق المختلف، والموازنة بين حق الاختلاف وضرورة المساواة في الحقوق وفرص الحياة، وتأكيد الاحترام المتبادل. يهتم محمد المحفوظ في تناول حلول عملية إزاء هذه القضية الشائكة ضمن ثلاثة مسارات: المسار السياسي عبر التمثيل والمساواة والشراكة الكاملة من خلال إصلاحات سياسية شاملة، والمسار الثقافي الذي يعالج الانكفاء وإبراز الخصوصيات عبر الانفتاح والتواصل وتوسيع الدوائر الوطنية المشتركة، والمسار الأهلي والمدني عبر الاستمرار في بناء مؤسسات اجتماعية مستقلة تُسهم في تقوية واستقلالية المجتمع. مثل هذه الجهود البحثية والثقافية القيمة التي تدرس أبعاد المشكلة الطائفية وانعكاساتها الخطيرة على واقع المجتمع، وتضع تصورات ورؤى لحلول مقترحة، لهي من الأهمية بمكان في ظل الوضع الطائفي المتردي في المنطقة العربية.

مشاركة :